اليوم العالمي للبيئة 2025 يكافح التلوث البلاستيكي

اليوم العالمي للبيئة 2025 يكافح التلوث البلاستيكي
في وقت يواصل العالم فيه مواجهته لأزمات بيئية متراكمة، تبرز بعض المحطات السنوية باعتبارها مؤشرات واضحة على ما وصلت إليه الجهود الدولية في حماية الكوكب، ومع اقتراب اليوم العالمي للبيئة 2025، تتجه الأنظار إلى شرق آسيا، حيث تستعد كوريا الجنوبية لاستضافة اليوم العالمي للبيئة هذا العام، تحت شعار “إنهاء التلوث البلاستيكي عالميًّا”، كما أعلن برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
في هذا المقال سوف تتناول حماة الأرض كيف يمكن أن يشكّل اليوم العالمي للبيئة 2025 نقطة تحوّل في معركة البشرية ضد التلوث البلاستيكي؟ ولماذا تمثل كوريا الجنوبية شريكًا استراتيجيًّا في هذه الرحلة؟ وما علاقة الاتفاقات الدولية وأهداف التنمية المستدامة بهذا التحوّل البيئي المنتظر؟ فتابعوا القراءة.
إنهاء التلوث البلاستيكي
بعد سنوات من الجهود المتزايدة لمواجهة التحديات البيئية، تتصدر أزمة النفايات البلاستيكية المشهد، حيث تختنق بها البحار والمحيطات وتتسلل إلى أجسادنا عبر سلاسل الغذاء والماء، ويأتي هذا في وقت يحمل دلالات رمزية هامة؛ إذ يتزامن مع مفاوضات دولية حاسمة تهدف إلى إبرام اتفاق عالمي ملزم قانونيًّا لوقف التلوثِ البلاستيكيّ؛ مما يجعل من اليوم العالمي للبيئة 2025 محطة فاصلة في تاريخ السياسات البيئية حول العالم.
فمنذ انطلاقه في عام 1972، يُعد اليوم العالمي للبيئة أكبر منصة دولية للعمل البيئي، يشارك فيها ملايين الناس عبر حملات توعية وأنشطة ميدانية وفعاليات رقمية واسعة النطاق، غير أن نسخة 2025 ستكون استثنائية؛ إذ تأتي في وقت لم يعد بالإمكان تجاهل حجم الكارثة البيئية التي يتسبب بها التلوث البلاستيكي يوميًّا.
كوريا الجنوبية تقود التحولات البيئية
ولا شك أن اختيار كوريا الجنوبية لاستضافة اليوم العالمي للبيئة 2025 لم يكن مصادفة؛ فقد أثبتت في السنوات الأخيرة التزامها الكبير بمبادئ الاستدامة البيئية، ونجحت في تطوير منظومة متقدمة لإدارة النفايات وتقنيات إعادة التدوير؛ لذلك فإن توليها قيادة هذه المناسبة البيئية الدولية يحمل دلالات قوية على رغبتها في لعب دور محوري في مستقبل الكوكب.
أكدت وزيرة البيئة الكورية “هان هوا-جين” أن اليوم العالمي للبيئة 2025 سيكون لحظة حاسمة في الجهود الدولية لوقف التلوثِ البلاستيكيّ، مشيرة إلى أن بلادها ستقود المرحلة التالية من التحرك البيئي العالمي، وهي تصريحات تعكس إصرار كوريا على إحداث تحول حقيقي يتجاوز المبادرات الرمزية.
وقد استضافت كوريا الجنوبية الدورة الخامسة من لجنة التفاوض الحكومية الدولية بشأن التلوث البلاستيكي عام 2024، وهي منصة تسعى إلى التوصل إلى اتفاق دولي ملزم يحد من إنتاج واستهلاك البلاستيك، ويضع حدًا للأضرار البيئية الناجمة عنه، خاصة في البيئة البحرية.
هذا المسار الحافل يجعل من النسخة المقبلة لليوم العالمي للبيئة أكثر من مجرد احتفال رمزي؛ إنها لحظة تتويج لتحرّك سياسي ودبلوماسي وبيئي واسع، ورسالة صريحة إلى العالم بأن الكوكب لم يعد يحتمل المزيد من التأجيل في مواجهة هذه الأزمة.
أرقام صادمة تكشف حجم الأزمة
تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 430 مليون طن من البلاستيك يُنتج سنويًّا حول العالم، وأن نحو ثلثي هذه الكمية يُستخدم لمرة واحدة فقط قبل أن يتحوّل إلى نفايات يصعب التخلص منها. هذا الواقع يعني أن العالم يصنع كميات ضخمة من البلاستيك لا تُستخدم سوى لساعات قليلة، إلا أنها تبقى في الطبيعة لقرون.
تتراكم هذه النفايات في المحيطات، والأنهار، والتربة، وحتى في أجسام الكائنات الحية، بما في ذلك الإنسان؛ فقد أظهرت دراسات حديثة وجود جزيئات بلاستيكية دقيقة في دم الإنسان، ومياه الشرب، وحتى في الأجنة، وهذه ليست مجرد تهديدات بيئية، وإنما هي أخطار صحية مباشرة على البشرية.
الأمر لا يتعلق فقط بالكميات، وإنما بكيفية الإنتاج والاستهلاك، حيث يرتبط البلاستيك ارتباطًا وثيقًا بصناعة النفط، وهذا ما يجعله جزءًا من معادلة معقدة تشمل تغير المناخ، وانبعاثات الكربون، ونموذج الاقتصاد الخطي غير المستدام، وفي ضوء هذه الأرقام، يصبح من الواضح أن مواجهة التلوث البلاستيكي أصبحت ضرورة وجودية، تتطلب تدخلات فورية من صانعي القرار، وتحوّلًا جذريًّا في عادات المستهلكين حول العالم.
علاقة التلوث البلاستيكي بالتنمية المستدامة
إن معالجة هذا التلوث لا يمكن اعتبارها هدفًا بيئيًّا منفصلًا، إنما هي جزء من رؤية شاملة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، لا سيما تلك المتعلقة بتغير المناخ، وحماية الحياة البحرية، وتحقيق الاستهلاك والإنتاج المستدامين، وتعزيز التنمية الاقتصادية الدائرية؛ فالتخفيف من النفايات البلاستيكية يسهم في خفض الانبعاثات، والحفاظ على التوازن البيئي، وتحسين الصحة العامة، كما يفتح المجال أمام استحداث فرص عمل من خلال الصناعات المرتبطة بإعادة التدوير والتكنولوجيا النظيفة.
في هذا السياق، فإن الاتفاق الدولي المنتظر، الناتج عن جهود لجنة التفاوض الحكومية، قد يمثل نقطة انطلاق نحو تغيير جذري في أنماط الإنتاج والاستهلاك، وهو ما يتفق مع التوجهات العالمية لإعادة بناء العلاقة بين الإنسان والبيئة على أسس أكثر استدامة وعدالة.
اختبار حقيقي للمجتمع الدولي
اليوم العالمي للبيئة 2025 ليس مجرد مناسبة رمزية، وإنما هو اختبار حقيقي لقدرة المجتمع الدولي على تحويل الزخم السياسي والإعلامي إلى سياسات وتشريعات ملموسة، ويتطلب هذا التزامًا دوليًّا واضحًا وآليات تمويل مستدامة، خاصة فيما يتعلق بتمكين الدول النامية من تبني حلول بيئية مستدامة لا تؤثر سلبًا على مساراتها التنموية.
وفي هذا السياق، تؤكد حماة الأرض أن نسخة 2025 من اليوم العالمي للبيئة تشكل فرصة حاسمة لإعادة النظر في مفهوم التنمية بشكل جذري؛ فالتنمية الحقيقية لا ينبغي أن تُقاس فقط بمعدلات النمو الاقتصادي والإنتاجية، وإنما يجب أن تتضمن تقييمًا شاملًا لمدى احترام الإنسان للموارد الطبيعية، وقدرته على الحفاظ على التوازن البيئي وحماية النظم الحيوية التي تدعم الحياة على كوكب الأرض.




