علوم مستدامة

تقرير المخاطر العالمية 2025 يضع التنمية المستدامة في اختبار حقيقي

تنمية

تقرير المخاطر العالمية 2025 يضع التنمية المستدامة في اختبار حقيقي

في عام 2025 يشهد العالم تحولات غير مسبوقة على جميع المستويات، حيث تُهدد الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية استقرارنا بشكل متسارع، وتعيق تحقيق التنمية المستدامة، وتسلط التقارير الدولية الضوء على هذه التحولات وتعرض سيناريوهات مقلقة للعالم في السنوات القادمة.

إن فهم هذه الأزمات والتعرف على تداعياتها المستقبلية يعد أمرًا بالغ الأهمية للتمكن من استشراف الحلول الملائمة؛ فما بين تزايد الانقسامات العالمية والنمو السريع للتكنولوجيا التي تفوق قدرة المجتمع على التكيف، يبرز الدور الحيوي الذي يجب أن نقوم به في بناء مستقبل مستدام.

ومن خلال تحليل أعمق للمخاطر التي يواجهها العالم، نكتشف أن هناك فرصة حقيقية لإعادة التفكير في نماذج التنمية وإعادة توجيهها نحو حلول تأخذ بعين الاعتبار مفهوم التنمية المستدامة، ومن هنا تستعرض حماة الأرض في هذا المقال تقرير المخاطر العالمية 2025 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، وتناقش كيف يمكن أن يسهم في تشكيل رؤى واضحة حول المستقبل؛ فتابعوا القراءة.

تقرير المخاطر العالمية 2025

مع بداية عام 2025 أصدر المنتدى الاقتصادي العالمي النسخة العشرين من تقرير المخاطر العالمية، كاشفًا عن مشهد دولي مضطرب تتقاطع فيه الأزمات السياسية والبيئية مع التحديات التكنولوجية والاقتصادية؛ مما ينذر بفترة غير مسبوقة من عدم اليقين، ويؤثر سلبًا في مسارات التنمية المستدامة، حيث إن تزايد الأزمات قد يعيق تقدم العديد من الدول نحو تحقيق أهدافها في هذا المجال.

يفتح التقرير نافذتين أساسيتين على هذا المستقبل المربك؛ الأولى من خلال “مسح إدراك المخاطر”(GRPS) Global Risks Perception Survey، حيث تهيمن المعلومات المضللة، والصراعات، والانقسامات الداخلية على المشهد في عام  2025، أما الثانية فمن خلال النظر في الفترة ما بين 2027 و2035، ويعرض التقرير سيناريوهات محتملة لمستقبل العالم، تتراوح بين الركود الجيوسياسي والانقسام المتصاعد.

العالم في عام 2025

يشير التقرير إلى أن هذا العام سيشهد انقسامًا سياسيًّا واجتماعيًّا، في ظل أزمات متعددة تتعلق بالأمن والسيادة والموارد والتكنولوجيا، ويستند هذا التقييم إلى نتائج مسح إدراك المخاطر العالمية (GRPS)، حيث اعتبر أكثر من نصف المشاركين فيه أنَّ المدى القصير -من الآن وحتى عامين- سيشهد تصاعدًا في الاضطرابات والتهديدات، التي قد تؤثر أيضًا في التنمية المستدامة، حيث يزداد التحدي في تحقيق استقرار اجتماعي واقتصادي وبيئي في ظل تفشي المعلومات المضللة.

وتتصدر التهديدات المرتبطة بالمعلومات المضللة -بما في ذلك استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتزييف الحقائق- قائمة المخاطر العالمية المتوقعة، حيث جاءت “المعلومات الكاذبة والمضللة” في المقدمة، وذلك مع “الصراعات المسلحة بين الدول” و”الاضطرابات الاجتماعية الداخلية”.

تسارع الانقسام العالمي في عام 2027

ويتوقع التقرير أن يسير العالم خلال السنوات الثلاث المقبلة نحو مزيد من التعقيد والانقسام، مع غياب واضح لرؤية جماعية أو تعاون دولي فعال، ويسلط التقرير الضوء على ثلاثة سيناريوهات محتملة لعام 2027، جميعها تعكس تراجع الحوكمة العالمية، وانحسار دور المنظمات الدولية، وتصاعد النزعات الوطنية في مواجهة الأزمات المشتركة؛ هي:

السيناريو الأول

أُطلق عليه “الركود”، ويرسم صورة لعالم جامد، تفشل فيه الحكومات في التنسيق المشترك؛ مما يؤدي إلى استجابات محدودة تجاه قضايا مهمة مثل التغير المناخي والأمن السيبراني.

السيناريو الثاني

أكثر سوداوية، حيث تشتد النزاعات بين القوى الكبرى، وتنتشر الحروب بالوكالة والصراعات الاقتصادية؛ وهو ما يعيد تشكيل النظام العالمي إلى كتل متنافسة تعاني من شح الموارد وركود التنمية.

السيناريو الأخير

يقدم تصورًا لتحالفات إقليمية تتعاون في ملفات محددة، مثل أمن الطاقة والتغير المناخي، غير أنه لا يرقى إلى مستوى التعاون الدولي المنشود. وأمَّا القاسم المشترك بين هذه التصورات فهو غياب أي أفق لتعاون عالمي شامل، وهذا ما يعكس نظرة متشائمة لمستقبل الحوكمة خلال السنوات القادمة.

الركود الجيوسياسي وعودة مناخ الحرب الباردة

يشير تقرير المخاطر العالمية إلى دخول العالم في مرحلة “ركود جيوسياسي”، يتراجع فيها التعاون بين القوى الكبرى بشكل مقلق، في ظل تنامي التكتلات المتنافسة، وعودة أجواء توتر تشبه الحرب الباردة.

وفي ظل تلك الأجواء تزداد الدول انغلاقًا على مصالحها، وتعزز من قدراتها العسكرية والرقمية، في حين تقل قدرة المؤسسات الدولية على الوساطة، وتبرز مناطق مثل شرق أوروبا وبحر الصين الجنوبي وشبه الجزيرة الكورية باعتبارها بؤرًا مرشحة للتصعيد.

في هذا السياق المتوتر، تحولت التكنولوجيا إلى سلاح مزدوج التأثير؛ فالتطور المتسارع في مجالات الذكاء الاصطناعي والفضاء السيبراني لا يعمق فقط التنافس بين الدول، وإنما يسهم أيضًا في نشر التضليل، وتأجيج الانقسامات داخل المجتمعات عبر منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما يضع استقرار العديد من الحكومات على المحك؛ مما يعرض التنمية المستدامة لمخاطر جسيمة على المدى الطويل.

التوترات الاقتصادية عقبات أمام التنمية

ويسلط تقرير المخاطر العالمية الضوء على تصاعد التوترات الاقتصادية في عالم يسير نحو التعددية القطبية، حيث تتزايد السياسات الحمائية وتتراجع الاستثمارات العابرة للحدود، ومع تزايد فرض القيود على التجارة والتقنيات الحساسة، تتفكك سلاسل الإمداد العالمية، وهو ما ينذر بمزيد من الانعزال الاقتصادي، ويفاقم من هشاشة الأسواق في الدول النامية.

ويحذر التقرير من أن هذه الديناميكيات ستؤدي إلى احتكار التكنولوجيا والمعرفة داخل كتل اقتصادية محدودة، وهذا سوف يعمّق الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة، ويُقوّض جهود تحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ فالدول النامية ستُحرم من فرص الوصول إلى الابتكار، وهو ما يضعف قدراتها الاقتصادية ويهدد استقرارها المالي، خاصة مع تراجع الدعم الدولي.

وفي الوقت ذاته، يشير تقرير المخاطر العالمية إلى أن السباق العالمي على الموارد الطبيعية، مثل الطاقة والمياه والمعادن، سيزيد من حدة التنافس الاقتصادي، ويعزز من اتجاه الدول نحو حماية صناعاتها المحلية عبر قيود جديدة.

وفي الوقت الذي تستفيد فيه الدول المتقدمة من ثورة الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة، تبقى البلدان النامية عالقة في فجوة معرفية تعمّق عدم المساواة وتضع مستقبلها في مهبّ التحديات، التي تعيق تحقيق التنمية المستدامة.

التكنولوجيا والانقسام الداخلي

ويرى التقرير أن التكنولوجيا أصبحت أداة لتعميق الاستقطاب داخل المجتمعات بدلًا من توحيدها؛ فمع الانتشار السريع للذكاء الاصطناعي والتطبيقات المتقدمة، تزداد الفرص للتلاعب بالعقول وتوجيه الرأي العام، سواء من قبل الحكومات أو غيرها من المؤسسات.

كما أن الفجوة الرقمية بين الدول المتقدمة والنامية تتسع؛ مما يعمق الفوارق الاجتماعية، حيث تستفيد النخب من التقنيات لتحسين خدماتها وحياتها، في حين يظل الكثيرون في الفئات الأضعف عرضة للبطالة والتهميش، ويشير التقرير إلى أن وتيرة التقدم التقني تفوق بكثير قدرة السياسات العامة على مواكبتها؛ مما يؤدي إلى فراغ تنظيمي قد تستغله بعض الجهات الضارة.

ملامح مستقبل غير مستقر في 2035

وبحلول عام 2035 سوف يواجه العالم مجموعة من التحديات المتزايدة، مثل الأزمات البيئية، والتوترات الجيوسياسية، ووفقًا لنتائج مسح إدراك المخاطر العالمية (GRPS)، يتوقع أن تزداد المخاطر التي تم تقييمها خلال العقد المقبل.

كما أن التوسع في تقنيات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية قد يفتح المجال أمام حلول مبتكرة، غير أنه يثير مخاوف متزايدة بشأن تعزيز الفجوات الاجتماعية والاقتصادية، وقد تكون هذه التقنيات حلًّا لبعض المشكلات، إلا أنها قد تؤدي أيضًا إلى تعميق الانقسامات؛ مما يصعب تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وفي الوقت نفسه، يواصل تغير المناخ تأثيره الكبير في الأنظمة البيئية والاقتصادية؛ مما يهدد التوازن البيئي الضروري لتحقيق التنمية المستدامة، حيث تشير التوقعات إلى أن العديد من البلدان التي تجاوز فيها عدد السكان الذين يفوق عمرهم 65 عامًا نسبة 20% ستواجه ضغوطًا شديدة على أنظمة الرعاية الصحية، في حين تشهد الدول ذات التركيبة السكانية الشابة نموًا سريعًا، وهذا ما يضع ضغوطًا على التعليم وفرص العمل.

التلوث عند مفترق طرق

ويشير تقرير المخاطر العالمية إلى أن التلوث -خاصة التلوث الكيميائي والمواد البلاستيكية الدقيقة- سيصبح واحدًا من أبرز الأزمات البيئية المستعصية في 2035 إذا لم تُعالج بفعالية في السنوات القادمة، حيث إن الإحصائيات الدولية تشير إلى أكثر من 9 ملايين وفاة مبكرة تُسجل سنويًّا بسبب التلوث، ومن المتوقع أن تستمر هذه الأرقام في التصاعد.

كما يشير التقرير إلى أن البلاستيك الدقيق (Microplastics) وُجد حاليًّا في الهواء والماء وحتى في الدم البشري، وإذا استمرت الاتجاهات الحالية في الاستهلاك والإنتاج، فقد يصبح التلوث البيئي عنصرًا غير قابل للسيطرة، خاصة مع تضاؤل الموارد المائية، وارتفاع درجات الحرارة، وزيادة استخدام المواد الكيميائية في الصناعة والزراعة.​

في ضوء ما كشفه “تقرير المخاطر العالمية 2025″، فإن العالم يقف أمام عقد حافل بالتحديات التي تهدد الاستقرار والتوازن البيئي والاجتماعي مما يعيق تحقيق التنمية المستدامة، ومن هذا المنطلق ترى حماة الأرض أن هذا التقرير ينبغي أن يكون حافزًا للعمل؛ فالمخاطر البيئية، والانقسامات الجيوسياسية، وتضخم التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية، كلها نتائج يمكن تجنبها إن توفرت الإرادة الدولية والتعاون الحقيقي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى