صناعات مستدامة

المـباني صفرية الطاقة طـريق نـحو الاسـتدامة الشاملة

المـباني صفرية الطاقة طـريق نـحو الاسـتدامة الشاملة

في عصر تشتد فيه مخاوف سكان الأرض بشأن التغيرات المناخية وتدهور البيئة، أصبح البحث عن حلول مبتكَرة من أولويات الحكومات والمؤسسات. وفي هذا السياق يبرز مفهوم المـباني صفرية الطاقة باعتباره سبيلًا إلى تقليل البصمة الكربونية للمباني.

هذه المباني التي تستخدم مصادر الطاقة المتجددة لتلبية احتياجاتها بالكامل، تُعد من الإنجازات التقنية التي تسهم بشكل كبير في تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الأحفورية؛ ولهذا سوف تتناول حماة الأرض في هذا المقال مفهومَ المـباني صفرية الطاقة، وخصائص هذه المباني المتجددة، وفوائدها، والتحديات التي تواجهها.. فتابعوا قراءة المقال.

تعريف المباني صفرية الطاقة

المبنى صفريّ الطاقة هو المبنى الذي يعتمد في طاقته على مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح. وبما أنَّ هذه المباني تسعى إلى توليد الطاقة قبل استهلاكها، فإنها لا تحتاج إلى الاتصال بالشبكة الكهربائية بشكل مستمر؛ مما يسهم في تقليل انبعاثات الكَربون التي تُسببها المباني التقليدية.

ومِن الجدير بالذِّكْرِ، هو أنَّ هذا المفهوم معتمِدٌ على مبدأ الكفاءة في استهلاك الطاقة، وهذا يعني أنَّ المبنى لا يقتصر على استخدام مصادر الطاقة المتجددة فقط، فهو يتطلب -أيضًا- تصاميمَ معماريَّةً متطورةً يكون هدفها الأول تقليلَ استهلاك الطاقة من خلال تحسين العزل الحراريّ، واستخدام الإضاءة الموفِّرة للطاقة، وكذلك التهوية ذات الكفاءة العالية.

المبادئ التوجيهية

منذ عام 2006 أصدرت الحكومة الأمريكية -على سبيل المثال- كثيرًا من المبادئ التوجيهية، التي تهدف إلى تقليل استهلاك الطاقة في المباني الحكومية الفيدرالية. وهذه المبادئ التوجيهية تستهدف جعل جميع المباني أقربَ إلى تحقيق هدف: المباني صفرية الطاقة، وهذا بحلول عام 2030. وهذه المبادئ ليست محصورةً في المباني الحكومية فحسب، وإنما يمكن تطبيقها أيضًا على المباني التجارية والسكنية.

وعن كيفية تنفيذ هذا النوع من المباني فينبغي أنْ ندركَ قبل أي شيء أنَّ تنفيذ المبنى صفري الطاقة عملية معقدة، وتتطلب عدة مراحل متكاملة، وأولها: يجب على المعماريين والمهندسين دراسة استهلاك الطاقة في المبنى بشكل دقيق، ثم تحديد الوسائل الفعَّالة لتقليص هذا الاستهلاك من خلال تصاميم البناء التي تركز على العزل الحراريّ -على سبيل المثال- من أجل الحفاظ على الحرارة.

وكذلك يجب أنْ يكون المبنى قادرًا على توليد الطاقة التي يحتاجها بشكل كامل، سواء من خلال الألواح الشمسية أم توربينات الرياح، مع مراعاة الموقع الجغرافيّ الذي يمكن أنْ يحدَّ من بعض الخيارات. وبعد وضع التصاميم المناسبة تأتي مرحلة التنفيذ التي تُركَّب فيها الأنظمةُ الحديثةُ، مثل أنظمة التدفئة والتهوية الموفرة للطاقة، بالإضافة إلى تثبيت الإضاءة الذكية التي تعمل بالاستشعار عن بُعدٍ، وبعد ذلك تأتي المرحلة الأخيرة، ألَا وهي إجراء اختبارات دقيقة؛ للتأكد من صلاحية المبنى لتوفير الطاقة وتوليدها أيضًا.

خصائص المـباني صفرية الطاقة

المباني والمساكن منخفضة الطاقة ليست تُشبه المباني التقليدية، فهي تتميز بعدة خصائص تجعلها فريدةً من نوعها، وهذا بدءًا من الاعتماد على الطاقة المتجددة، وما يتبع هذا من توليد الطاقة داخل المبنى نفسه.

وتوفر المـباني صفرية الطاقة عددًا من الفوائد التي تجعلها خيارًا جذابًا في عصر الاستدامة؛ فهي ذات تكاليف تشغيلية قليلة، وهذا يصب في صالح أصحاب هذه المباني على المدى الطويل، حيث إنَّ الطاقة التي يتم إنتاجها داخليًّا تكون مجانيةً تمامًا، وهذا يقلل من حاجَةِ هذه المباني إلى دفع فواتير كهرباء باهظة.

وتسهم هذه المباني -بالإضافة إلى ما سبق- في الحفاظ على البيئة من خلال تقليل الانبعاثات الكَربونية الناجمة عن استخدام الطاقة التقليدية؛ فهي تُعد مثالًا حيًّا لكيفية دمج التكنولوجيا بالبيئة لتحقيق التنمية المستدامة، فضلًا عن أنها تعمل بشكل مستقل عن الشبكة الكهربائية التقليدية؛ مما يضمن استمرار عمل الأنظمة حتى في حالات الطوارئ أو انقطاع التيار الكهربائي.

تحديات المـباني صفرية الطاقة

لا تخلو المباني صفرية الطاقة من تحديات تواجهها، مثل التكلفة العالية لتطبيق مثل هذه المفاهيم المستدامة، كما أنَّ مفهوم المباني صفرية الطاقة قد يتطلب تغييراتٍ جذريةً في البنية التحتية والممارسات المعمارية التقليدية؛ مما قد يشكل تحديًا لبعض البلدان التي لا تمتلك التكنولوجيا اللازمة لتنفيذ مثل هذه المشروعات.

وبالرغم مما سبق من تحديات فإنَّ المستقبل واعد أمام مفهوم المـباني صفرية الطاقة، التي ستكون لها مكانة بارزة مع جهود زيادة الوعي البيئيّ على مستوى العالم، وكذلك فإنَّ لها مستقبلًا نافعًا مع ما نشهده اليوم من تطوير متسارع لتقنيات الألواح الشمسية وتوربينات الرياح، بالإضافة إلى زيادة الاهتمام الحكومي بتقليل الانبعاثات الكَربونية؛ ولذلك يُتوقع للمـباني صفرية الطاقة أنْ تسهم إسهامًا بالغًا في تحقيق أهداف الحياد الكَربوني، التي تطمح إليها دول كثيرة في السنوات القادمة.

وفي الختام، تدرك حماة الأرض تمام الإدراك أنَّ الاستدامة الشاملة ليست رفاهيةً؛ لأنها ضرورة ملحة، وتتطلب تحولًا جذريًّا في مجالات حياتنا كافةً؛ لهذا تنشر حماة الأرض الوعي بأهداف التنمية المستدامة بكل صورها في الحياة؛ كي يمكننا جميعًا توفير عالم يوازن بين التقدم والحفاظ على كوكبنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى