علوم مستدامة

تبريد الشعاب المرجانية استراتيجية جديدة لحماية البيئة البحرية

تبريد الشعاب المرجانية استراتيجية جديدة لحماية البيئة البحرية

في عصرنا الحديث يواجه كوكب الأرض تحديات بيئية ضخمة، من أبرزها تدهور النظم البيئية البحرية بسبب التغير المناخي، ومن أهم أجزاء هذه النظم: الشعاب المرجانية، التي تضررت ضررًا شديدًا في العقود الأخيرة؛ بسبب ارتفاع درجات حرارة المياه، وزيادة ظاهرة تحمُّض المحيطات.

لذلك تتناول حماة الأرض في هذا المقال حلولًا مبتكرةً يمكنها الحفاظ على هذه الشعاب المرجانية المتضررة من خلال تبريدها؛ من أجل إنقاذ الأنظمة البيئية من الانهيار، ودفع جهود تحقيق أهداف التنْمية المستدامة.. فتابعوا القراءة.

قلب البيئة البحرية

تُعدُّ الشعاب المرجانية من أكثر الأنظمة البيئية تنوعًا على وجه الأرض، حيث تُعدُّ موطنًا لمجموعة كبيرة من الكائنات البحرية التي تعتمد عليها للبقاء، وعلى الرغم من أن الحاجز المرجاني يشغل فقط 0.2% من مساحة المحيطات في العالم، فإنه يعد موطنًا لثلث الكائنات البحرية، ويضم أكثر من 4000 نوع من الأسماك، و800 نوع من الشعاب المرجانية الصلبة.

ومن المدهش أن هذه الشعاب لا توفر مكانًا للكائنات البحرية فقط، بل تسهم أيضًا في الاقتصاد العالمي؛ فإنَّ قيمة الشعاب المرجانية العالمية تُقدَّر بين 30 و375 مليار دولار أمريكي سنويًّا، وهذا بفضل الدور الحيوي الذي تؤديه في تعزيز صناعة السياحة وغيرها من الصناعات الحيوية، بالإضافة إلى حمايتها للسواحل، وتوفيرها لموارد طبية لا حصر لها.

تأثير التغير المناخي في الشعاب المرجانية

إنَّ التغير المناخي يؤدي إلى زيادة حدة الظواهر المناخية، مثل ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة حموضة المياه (عندما يذوب ثاني أكسيد الكرْبون في مياه البحار والمحيطات يتشكل حمض الكرْبونيك “H2CO3″، الذي يحرر أيونات الهيدروجين؛ فيرتفع مستوى حموضة المياه)، وهذا يسبب زيادةً في أخطار تدهور الشعاب المرجانية.

يتضح ذلك جليًّا حين نتذكر الأحداث التي وقعت بين عامَي 1998 و2010، حيث عانت الشعاب المرجانية من تبييض واسع النطاق، ويُتوقع أن تتكرر هذه الأحداث بشكل متزايد نتيجة للتغيرات المناخية، وإذا استمرت دَرجات الحرارة في الارتفاع بهذا المعدل، فإننا نتجه نحو مستقبل مظلم، وسوف تفقد معظم الشعاب المرجانية حياتها بحلول عام 2050.

ومن المقلق أن الدراسات تشير إلى أن 30% من الشعاب المرجانية العالمية قد اختفت بالفعل خلال الـ 15 عامًا الماضية، غير أن الأمل يبقى قائمًا في البحث عن حلول لتقليل تأثير ارتفاع دَرجات الحرارة في هذه الأنظمة البيئية القيمة.

حماية التكنولوجيا للشعاب المرجانية

مما لا شك فيه أن التقدم التكنولوجي قد بدأ يقدم بعض الأمل في هذا الصدد، حيث طُورت بعض التقنيات الحديثة التي تهدف إلى تبريد المياه المحيطة بالشعاب المرجانية؛ لتقليل آثار التغير المناخي عليها. ومن أبرز هذه التقنيات ضخ المياه الباردة من الأعماق إلى السطح باستخدام أجهزة ضخ عائمة، بهدف إنشاء نظام تبريد يحافظ على دَرجات حرارة المياه ضمن المعدلات الطبيعية التي تحتاجها الشعاب المرجانية للبقاء.

بالإضافة إلى ذلك، ظهرت فكرة استخدام الهياكل الواقية مثل الأغطية الشمسية التي تقلل من كمية الضوء التي تصل إلى الشعاب المرجانية، حيث تساعد هذه الهياكل على تقليل التبخر الحراري، وضبط درجة الحرارة على مستوى المياه المحيطية، وبالرغم من أن هذه الحلول ما زالت في مراحلها التجريبية، فإنها تقدم أملًا للمستقبل في الحفاظ على هذه النظم البيئية الحيوية.

التجارب العملية

في إطار الجهود المبذولة لحماية الشعاب المرجانية، تم إجراء تجارب ميدانية لاختبار إمكانية تبريد المياه المحيطة بالشعاب على نطاق صغير، ففي عام 2008 تم إجراء تجربة في جزر ساموا الأمريكية باستخدام مضخات عائمة لزيادة تدفق المياه الباردة إلى الشعاب المرجانية، وقد حققت هذه التجربة نجاحًا ملحوظًا في تقليل أثر التبييض في مناطق معينة من الشعاب المرجانية.

وهذا النجاح هو ما أكدته التجارب أيضا في عام 2011 حيث تم تنفيذ تجارب على نطاق أكبر بالتعاون مع جامعة هاواي ومعهد هاواي لعلوم البحار، وقد استخدمت فيها أنظمة تبريد متكاملة تتضمن الألواح الشمسية والمضخات البحرية؛ لتحقيق تبريد فعال للشعاب المرجانية.

توسيع نطاق التطبيق

يهدف العلماء إلى تطبيق حلول تبريد الشعاب المرجانية على نطاق أوسع، وتعد الزراعة البحرية من الحلول التي تستخدم في المحيطات العميقة لإعادة تدوير المياه الباردة وتوزيعها على الشعاب المرجانية؛ إذ يمكنها -بالإضافة إلى التبريد- أن توفر العناصر الغذائية الأساسية لنمو الشّعاب المرجانية، مما يعزز من مقاومتها للظروف البيئية القاسية.

وتكمن أهمية هذه الحلول في أنها تسهم في تحقيق فوائد اقتصادية عبر استعادة الثروات السمكية، وتحسين جودة المياه الساحلية، كما يمكن أن تسهم في تقليل انبعاثات الكرْبون، وذلك من خلال استخدام هذه الأنظمة باعتبارها أدوات لتخزين الكرْبون.

خطوة نحو تحقيق أهداف التنْمية المستدامة

في مواجهة التحديات المتزايدة التي يفرضها التغير المناخي على الشّعاب المرجانية، تؤدي التكنولوجيا دورًا حيويًّا في الحفاظ على هذه النظم البيئية الحساسة، حيث إن تطوير أنظمة التبريد التي تضبط درجة حرارة المياه يُعد خطوة مهمة نحو تحقيق الهدف (13) من أهداف التنْمية المستدامة: العمل المناخي؛ فمن خلال تبني هذه الحلول المبتكرة نتمكن من الحد من تأثير التغير المناخي في الشّعاب المرجانية، وحماية التنوع البيولوجي البحري.

والجدير بالذكر أن هذا الاتجاه يتماشى أيضًا مع الهدف (14) من أهداف التنْمية المستدامة: الحياة تحت الماء، الذي يسعى العالم من خلاله إلى الحفاظ على الحياة البحرية، وحماية المحيطات من الاستغلال المفرط، وذلك من خلال البحث عن حلول مبتكرة توفر بيئة بحرية أكثر استدامة، مما يسمح للموارد البحرية بالاستمرار في تقديم خدماتها الحيوية، مثل توفير الغذاء، ودعم السياحة، وحماية المناطق الساحلية.

إن الجهود المبذولة لتطوير أنظمة تبريد المياه التي تستند إلى أحدث الاكتشافات العلمية تؤكد التزام المجتمع الدولي بحماية البيئة البحرية؛ فهذه التقنيات ليست مجرد حلول تقنية، بل هي تجسيد عملي لمفهوم التنْمية المستدامة الذي تسعى حماة الأرض إلى التوعية بضرورة تحقيقه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى