علوم مستدامة

من مخلفات زراعية إلى ابتكار علمي: كيف يتحول قش الذرة إلى الهيدروجيل؟

من مخلفات زراعية إلى ابتكار علمي: كيف يتحول قش الذرة إلى الهيدروجيل؟

يحتاج العالم هذه الأيام إلى حلول مبتكرة يحافظ بها على الأرض، ويضمن من خلالها استدامة مواردها لجميع البشر، وذلك يمكن أنْ تقوم به فكرةُ إعادة تدوير المخلفات الزراعية، باعتبارها أحدَ البدائل الواعدة لتقليل التلوث البيئي وتعزيز الاستدامة. ومن هذا المنطلق تسلط حماة الأرض الضوء في هذا المقال على إمكانية تحويل قش الذرة إلى مواد كيميائية بخصائص فريدة يمكن استخدامها في تطبيقات عملية متعددة؛ مما يفتح آفاقًا جديدة نحو استراتيجيات فعّالة لمواجهة التحديات البيئية.

يُعد استخدام قش الذرة في تصنيع مواد جديدة خطوة نحو تقليل النفايات الزراعية وتحقيق أقصى استفادة من الموارد الطبيعية؛ فبدلًا من التخلص من هذه المخلفات أو حرقها -وهذا يؤدي إلى مشكلات بيئية لا حصر لها- يتم توظيفها لإنتاج مواد ذات قيمة، ومن أبرز هذه المواد الهيدروجيل (hydrogel)، الذي يمتلك خصائص فريدة تجعله مثاليًّا لتطوير تقنيات حديثة مثل المستشعرات الحيوية والإلكترونيات القابلة للتحلل.

كيفية تحويل قش الذرة إلى الهيدروجيل؟

الهيدروجيل هو مادة كيميائية هلامية تتكون من شبكة بوليمرية ثلاثية الأبعاد، قادرة على امتصاص كميات كبيرة من الماء والاحتفاظ به دون أن تذوب، وتتميز بمرونتها ونعومتها مما يجعلها مثالية للتطبيقات في مجالات الطب والإلكترونيات، حيث تُستخدم في إصلاح الأنسجة وتطوير أجهزة الاستشعار.

ومن هنا توصل فريق من الباحثين في جامعة الطاقة الكهربائية بالصين، إلى طريقة لتحويل قش الذرة إلى  الهيدروجيل عبر طحن لبّ قش الذرة إلى جزيئات صغيرة بحجم 50 ميكرومتر، ثم خلط هذا اللب مع مسحوق بولي فينيل الكحول (بوليمر صناعي يُستخدم في صناعة الورق والمنسوجات) في ماء يحتوي على حمض الفوسفوريك، ثم إضافة مركبات كيميائية أخرى لتحفيز التفاعل وتشكيل المادة النهائية.

وتنبع أهمية هذا الإنجاز من الحاجة المتزايدة إلى تطوير إلكترونيات مرنة وصديقة للبيئة؛ إذ إنَّ الأجهزة الإلكترونية التقليدية التي تعتمد على البوليمرات غير القابلة للتحلل تسهم في زيادة النفايات الإلكترونية وتعقيد عمليات إعادة التدوير، غير أن هذا العمل يقدم نموذجًا مبتكرًا يستخدم المواد الحيوية باعتبارها بديلًا عن المواد البترولية التقليدية؛ مما يسهل إعادة التدوير والتخلص البيئي الآمن بعد انتهاء العمر الافتراضي للمنتج.

تطبيقات الهيدروجيل

تمثل عملية استخراج هذه المادة من قش الذرة خطوة متقدمة في عالم الإلكترونيات المستدامة، حيث يمكن استخدامها في العديد من التطبيقات الحيوية التي تعزز التفاعل بين الإنسان والتكنولوجيا. ومن أبرز هذه التطبيقات أجهزة الاستشعار القابلة للارتداء، حيث يمكن تثبيته على المفاصل والأصابع لمراقبة الحركات الجسدية بدقة. كما أثبتت التجارب إمكانية وضعه على المعصم أو الركبة أثناء ممارسة التمارين الرياضية؛ فهذا يساعد على تحليل أنماط الحركة وتحسين الأداء البدني، وهو ما يجعله أداة مبتكرة في مجالات اللياقة والصحة البدنية.

إلى جانب ذلك، تتمتع هذه المادة بقدرة فريدة على التقاط الإشارات الكهربائية الناتجة عن تقلصات عضلات الوجه؛ مما يتيح إمكانية استخدامه في مراقبة تعبيرات الوجه وتحليل الحالة العاطفية للبشر، وهذا التطور يمكن أن يسهم في تعزيز تقنيات الذكاء الاصطناعي من خلال تطوير أنظمة تفاعلية قادرة على قراءة المشاعر البشرية والتكيف معها؛ مما يفتح آفاقًا جديدة في مجالات التواصل البشري الافتراضي والتطبيقات العلاجية.

بالإضافة إلى ذلك أثبتت الأبحاث أنه يتمتع بحساسية عالية تجاه التغيرات البيئية؛ ولذلك فإنه يمكن استخدامه باعتباره مستشعرًا للحرارة عند تثبيته على يد صناعية، وهذا ما يجعله مناسبًا لتعزيز الإحساس بالحرارة واللمس في الأطراف الصناعية؛ مما يحسن تجربة المستخدمين الذين يعتمدون على هذه التقنيات في حياتهم اليومية. كما يمكن استخدامه في تتبع أنماط التنفس عند وضعه بالقرب من منطقة البطن أو تحت الأنف؛ مما يجعله أداة فعالة في التطبيقات الطبية، مثل مراقبة مرضى الجهاز التنفسي، وتحليل جودة التنفس أثناء النوم.

الاستدامة البيئية

وإلى جانب مزاياه التقنية يتمتع الهيدروجيل بخصائص بيئية تجعله حلًّا مستدامًا لمشكلة النفايات الإلكترونية المتزايدة؛ فعلى عكس المواد الإلكترونية التقليدية التي يصعب إعادة تدويرها، يتميز بإمكانية إذابته في الماء الساخن عند درجة حرارة 60 مئوية، وإعادة تشكيله دون فقدان خصائصه؛ مما يقلل من المخلفات الإلكترونية ويجعل إعادة استخدامه عملية سهلة وفعالة.

كما أنَّ قدرته على التحلل البيئي الكامل تعد من أبرز مزاياه، حيث أثبتت التجارب أن دفنه في التربة يؤدي إلى تحلله التام خلال ثلاثة أشهر فقط، مما يجعله بديلًا واعدًا للبوليمرات الصناعية التي تستغرق عقودًا للتحلل وتتسبب في تلوث البيئة. هذه الخاصية تجعل من الهيدروجيل خيارًا مثاليًّا للمنتجات التي تحتاج إلى التخلص منها بعد فترة استخدام معينة، مثل المستشعرات الحيوية والأجهزة الطبية المؤقتة.

وترى حماة الأرض في الختام أنَّ هذا النهج يعزز من توجه الصناعات نحو حلول صديقة للبيئة، ويدفع عجلة البحث والتطوير نحو تقنيات إلكترونية تواكب متطلبات التنمية المستدامة، حيث يسهم الاعتماد على الموارد الطبيعية في تقليل استخدام المواد البترولية التقليدية التي تدخل في صناعة الإلكترونيات؛ مما يقلل من انبعاثات الكربون، ويساعد على الحد من استهلاك الموارد غير المتجددة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى