ما التشجير؟
ما التّشجير؟
مما لا شكَّ فيه، هو أنَّ النباتاتِ الخضراءَ الجميلةَ والأشجارَ الباسقةَ تُشكِّلُ جزءًا لا يتجزأ من جَمال الطبيعة وتناغمها، وليس هذا فحسب، وإنما لها دور بيئيّ مهم؛ لذا تنظر الدولُ إلى التشجير باعتباره خطوةً نحو تعزيز البيئة ومواردها والحفاظ علَى حياةٍ صحيةٍ خضراءَ.
وتتجلَّى أهميةُ التشجير في تعزيز التنوع البيولوجيّ وحماية الحياة البرية، كما أنه يساهم في ترشيد استهلاك المياه، وحماية التربة من التآكل، وهو -أي التشجير- يمثل استثمارًا حقيقيًّا في مستقبل كوكبنا، حيث يعمل علَى تحسين جودة الحياة للأجيال الحالية والقادمة.
ومِن فوائد التشجير الأخرى، تحقيق التوازن بين البيئة والتطور الحضاريّ وامتداداته، فضلًا عن تحقيق بُعدٍ جَماليّ مِن خلال المساحات الخضراءِ. ولتحقيق ذلك كله يجب اختيار الأشجار المناسِبة للبيئة التي تُستَهدَفُ بالتشجير، والتأكد من توافر مساحات كافية لنموها، ثم تأتي المرحلة الأخيرة التي تتمثل في الاهتمام بتلك الأشجار ورعايتها بالريّ والتسميد والتقليم الدوريّ.
والآن، سنوضح بصورة أكثر تفصيلًا أهميةَ التشجير بَعد أنْ نُعرِّفَ معناه الدقيق، وسنناقش عَلاقته الوثيقة بالبيئة، مع الإشارة إلى الجهود المصرية في مجال التشجير ومشروعاته.
تعريف التشجير وأهميته
التشجير هو عملية إنشاء غابة من الأشجار في منطقة غير مُشجَّرة سابقًا؛ لأجل تحقيق نتائج بيئية وتنموية داخل المدن، بَعد اختيار النباتات المناسبة للبيئة المحلية المُستَهدفة. ومما ينبغي التزامه عند تنفيذ مشروعات التشجير اتباعُ المعايير والضوابط العِلمية لتشجير الشوارع والأرصفة، ومراعاة هذا أيضًا في جُزر الطرق الوسطى وأمام المحلات التجارية والمنازل.
وأمَّا عن أهمية التشجير، فله فوائد عديدة، مثل:
– الحد من التغيُّر المناخيّ: تعمل الأشجار علَى امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو، مما يساهم في تقليل التغيُّر المناخيّ؛ فغابات الأمازون -علَى سبيل المثال- تعمل كمستودعٍ ضخمٍ يمتص ثاني أكسيد الكربون.
– تنقية الهواء: للغابات دور رئيسيّ في امتصاص الملوِّثات والأكاسيد الضارة من الجو، مثل أكاسيد النيتروجين وغاز الأمونيا وثاني أكسيد الكبريت، كما تعمل الأشجار علَى إحداث توازن في نسبة الأوزون، وزيادة نسبة الأكسجين في الهواء؛ مما يقلل من مشكلة الاحتباس الحراريّ.
– تبريد الشوارع: إذا كانتِ الأشجارُ قادرةً علَى تقليل تأثير الاحتباس الحراريّ في مناخ الأرض، فهذا معناه أنَّ التشجير قادرٌ علَى خفض درجات الحرارة بين المدن، حيث يُوفر ظلالًا وتغطيةً واسعةً، وهذا ما يجعلنا ندرك سببَ معاناة المدن الصحراوية مِن الارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة بصورة مفرطة.
– توفير المياه: تساعد الأشجار علَى تقليل تدفق مياه الأمطار السطحية، وهذا يمنع إهدار هذه المياه بشكل عامٍّ. وتمتص الأشجارُ -أيضًا- كمياتٍ وفيرةً من الماء، وبعد هذا تُفرِزُها في بُطْءٍ مِن خلال العمليات الطبيعية كعملية التبخر، كما تساهم جذورُ هذه الأشجار في تغذية خزانات المياه الجوفية بالمياه النقية، عن طريق ترشيحها بين طبقات التربة.
– حماية الحياة البرية: تُعدُّ الأشجارُ موطنًا وغذاءً لكائنات حية عديدة، كما تُعتبر مهمةً في النمو الخَضَريّ والتنوع البيولوجيّ، حيث تعيش بين فروعها كائناتٌ كثيرةٌ مختلفةٌ، وهذا يشمل الحيوانات والطيور والحشرات والنباتات الأخرى.
– تحسين جودة الحياة: يُعتبر التشجير عاملًا مهمًّا مِن عوامل تحسين جودة الحياة في المدن، حيث توفر الأشجارُ بيئةً خضراءَ جميلةً ومناظرَ طبيعيةً تُريح العينَ بعيدًا عن التلوث البصريّ، بالإضافة إلى تقليل الضوضاء مِن خلال امتصاص الاهتزازات الصوتية؛ مما يؤدي إلى إحساس عامٍّ بالهدوء والاسترخاء، وتوفر الأشجار -أيضًا- مناطقَ ترفيهيةً ومساحاتٍ للتنزه والاستجمام.
بناءً علَى ما سبق، وتضامنًا مع مساعي مشروعات التشجير، بدأتْ مصرُ في تنفيذ هذه المشروعات في أماكنَ عديدةٍ.
الجهود المصرية في دعم مفهوم التشجير
بسبب التحديات التي تواجه مصرَ -وهي تحدياتٌ تواجه دولًا أخرى- في مجال التغيُّرات المناخية، قامتِ الدولةُ بتطوير خُطة وطنية للتنمية المستدامة، واضعةً البُعْدَ البيئيّ محورًا أساسيًّا؛ لذا تهدف هذه الخطة إلى الاستفادة المُثْلَى مِن الموارد الطبيعية والاستثمار فيها، مع توفير بيئة نظيفة وصحية وآمنة للمواطن المصريّ.
وقد جُسِّدَ هذا الأمرُ مِن خلال مجموعة من المبادرات التي تهدف إلى زيادة المساحات الخضراء في محافظات مصر كافةً. وبالإضافة إلى الفوائد البيئية والاقتصادية والاجتماعية التي ذكرناها سابقًا عن التشجير ومشروعاته، فإنه يعكس التزام الدولة المصرية بتحقيق وتنفيذ مبادئ الاستدامة البيئية، حيث تُركز الرؤية الوطنية علَى ضرورة التعاون الشامل، سواء داخليًّا أم خارجيًّا؛ لمواجهة تحديات المناخ، وتطوير حلول فعَّالة للحد مِن التأثيرات السلبية الناتجة عن التغيُّرات المناخية في جوانب الحياة المختلفة.
علاوةً علَى ذلك، يجب -أيضًا- مراعاة العوامل البيئية والمجتمعية الأخرى عند تنفيذ عمليات التشجير في المدن، ومِن هذه العوامل: الحد من تأثير الجذور في الأرصفة والأنابيب والبنية التحتية كلها، وتوفير مساحات كافية للمشاة والدرَّاجات الهوائية. وينبغي -أيضًا- توزيع الأشجار بشكل متساوٍ، وتوفيرها بصورة خاصة في المناطق المزدحمة وذات الفقر البيئيّ.
في الخاتمة نُجمل القولَ، وهو أنَّ التشجير استثمارٌ طويلُ الأجل في تعزيز البيئة ودعم جودة الحياة، ويساهم في خلق مجتمعات حضرية أكثر صحةً واستدامةً، وهذا ما يجب أنْ تسعى إليه جهودنا الإنسانية في الأعوام القادمة؛ للحفاظ علَى مستقبلٍ أخضرَ وصحةٍ أفضلَ؛ ولهذا أطلقتْ مجلةُ حماة الأرض سلسلةَ (ما…؟)، التي تسعى إلى رفع مستوى وعي المواطنينَ بأهمية المصطلحات البيئية والتنموية، من خلال تعريفها بطريقة سهلة الفهم، وواضحة المعالم؛ حتى نحمي بيئتنا لنا وللأجيال القادمة.