النقاط الخمس الأساسية لفهم الأخطار التي تهدد محيطات العالم
النقاط الخمس الأساسية لفهم الأخطار التي تهدد محيطات العالم
يحتفل العالم في الثامن من يونيو كل عام باليوم العالمي للمحيطات، وهو اليوم الذي اقترحه المركزُ الدولي الكندي لتنمية المحيطات ومعهدُ المحيط الكندي في عام 1992، وهذا في أثناء أعمال قمة الأرض – مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية في ريو دي جانيرو بالبرازيل، ثم في عام 2008 تبنتِ الأممُ المتحدةُ الاحتفالَ بهذا اليوم؛ تسليطًا للضوء علىأه أهمية الأنظمة البحرية، وكيف يمكننا المحافظة عليها.
يعتمد البشرُ على محيطات العالم في أشياءَ كثيرةٍ، بما في هذا توفير مصادر عديدة للغذاء، وإتاحة كثير من فرص العمل في المجالات المرتبطة بالبحار والمحيطات، فضلًا عن وسائل الترفيه المتعددة التي توفرها شواطئ هذه المحيطات، كما أنَّ لها دورًا رئيسيًّا في استقرار مناخ الأرض.
ولكن على الرغم من أنَّ مواردَ المحيطات قد تبدو غير محدودة فإنَّ التأثيرات البشرية -مثل التلوث، والصيد الجائر، وتغير المناخ- تخلق ما أطلق عليه أمين عام الأمم المتحدة “أنطونيو جوتيريس” حالة طوارئ المحيطات، حيث يدفع تغير المناخ درجات حرارة المحيطات إلى مستويات قياسية، كما أنَّ كثيرًا من مصايد الأسماك تتعرض للصيد الجائر، في حين أنَّ النفايات البلاستيكية تتراكم في أعماق البحار بكميات هائلة.
ولفهم طبيعة التهديدات التي تواجهها محيطات العالم وأنظمتها الحيوية – سوف نستعرض معكم في السطور الآتية خمسةَ عناصر أساسية ترسم صورةً أوضح عن طبيعة الحالة التي تعيشها محيطاتنا.
استوطان بعض الأنواع أماكنَ جديدة
نأخذ على سبيل المثال أسماكَ الأسدِ الغازية، وهي من الأسماك المفترسة التي تعيش في المياه الدافئة -موطنها الأصلي- بالمحيط الهندي وجنوب المحيط الهادئ، حيث تتغذى على أسماك الشعاب المرجانية الصغيرة. هذه الأسماك تسببت في أضرار جسيمة في منطقة البحر الكاريبي وخليج المكسيك منذ ظهورها لأول مرَّة في المحيط الأطلسي عام 1985، ومنذ ذلك الحين انتشرت جنوبًا ناحية البرازيل وغيرها من الدول.
تمثل أسماكُ الأسدِ خطرًا محققًا؛ بسبب قدرتها على غزو المياه الاستوائية في جميع أنحاء العالم، وهو أمر يأتي مصحوبًا بتأثيرات سلبية كبيرة في أنواع الأسماك المحلية، بل في النظم البيئية بين مختلف البلدان،. والمشكلة هنا، هي هجرة هذه الأسماك من مواطنها الأصلية واستوطانها أماكنَ جديدةً؛ ما يخل بالتوازن البيئي الطبيعي في كثير من البيئات.
لا شكَّ في أنَّ ارتفاعَ درجة حرارة المحيطات قد أدَّى -بصورة مباشرة- إلى تحويل أنظمة بيئية عديدة لتصبح موطنًا مناسبًا لكثير من الأنواع التي لم نكن نراها في هذه البيئات، ولعل سمكة الأسد الغازية مثالًا جليًّا على هذا.
التعدين في قاع المحيطات
تحتوي كُتَلُ المنجنيز المنتشرة في مناطق واسعة من قاع المحيط – على رواسب غنية من النيكل والنحاس والكوبالت والمعادن الأخرى، التي ازداد الطلبُ عليها مؤخرًا؛ لدخولها في تصنيع البطاريات ومكونات الطاقة المتجددة.
المشكلة هنا، هي عزم كثير من شركات التعدين العالمية على البدء في استكشاف واستخراج المعادن من قاع المحيطات؛ إِذْ إنَّ هذا خطرٌ بالغٌ، لانعدام المعلومات الكافية عن طبيعة الأنظمة الحيوية في قاع هذه المحيطات.
ولتوضيح الصورة رُسِمَتْ خرائطُ دقيقة تمسح نسبة 10% فقط من قاع المحيطات والبحار العميقة، ومعظم أشكال الحياة المكتشفة هناك لم يسبق رؤيتها من قبل، ما يعني أنه ما يزال أمامنا الطريقُ طويلًا للتعرف بشكل دقيق على طبيعة الأنظمة الحيوية في قاع المحيطات، كما أنَّ أي عمليات تعدين تشق طريقها إلى هذه المناطق دون معرفة طبيعتها معرفةً كاملةً ستؤدي -غالبًا- إلى الإضرار بأنواع عديدة في هذه البيئات الهشة.
انتشار الصيد غير القانوني
الصيد غير القانوني يمكن تعريفه بأنه اصطياد الأسماك بكميات كبيرة تفوق الحدود الآمنة التي تسمح بتكاثر الأنواع (صيد جائر)، أو اصطياد الأنواع المهددة بالانقراض. يتسبب الصيدُ الجائرُ في خسائرَ اقتصاديةٍ تقدر بما يتراوح بين 10 و25 مليار دولار أمريكي سنويًّا، ومن السهل -يا للأسف- إجراء هذه الأنشطة بعيدًا عن الأنظار في أعالي البحار.
يمثل الصيد غير القانوني تحديًا كبيرًا؛ بسبب صعوبة تتبع السفن في أعالي البحار، حيث تُعطِّلُ السفنُ أجهزةَ الإرسال والاستقبال الخاصة بها. أحد الحلول المقترحة كان إلزام جميع السفن بعدم تعطيل أجهزة الإرسال والاستقبال. ثم ظهرت مشكلة أخرى، هي قيام بعض السفن بتعطيل هذه الأجهزة -عمدًا- لتجنب القراصنة أو تفادي جذب المنافسين إلى مواقع الصيد الغنية؛ لذا فإنَّ جعل إيقاف تشغيل إشاراتهم أمرًا غير قانوني لن يمثل استراتيجيةً عمليةً.
تصميم نظام مراقبة للمحيطات
مثلما توجد أشكال حياة غير معدودة في المحيطات -لم يتم اكتشافها بعدُ- هناك أيضًا العديد من الأسئلة التي لم يُجِبْ عنها أحدٌ بخصوص العمليات الفيزيائية، التي تُجرى في المحيطات. على سبيل المثال، يعرف العلماءُ أنَّ المحيطَ يسحب الكربون من الغلاف الجوي وينقله إلى المياه العميقة، حيث يمكن أنْ يظل مخزنًا لأوقات طويلة، لكنهم لا يعرفون كيف تؤثر التحولات البيولوجية والكيميائية في دورة الكربون هذه.
لذا، يُصمم العلماءُ في معهد وودز هول لعلوم المحيطات بماساتشوستس نظامَ مراقبةٍ يمكن أنْ يتيحَ اختبار استراتيجيات لتخزين المزيد من الكربون في المحيط. نظام المراقبة سيكون عبارةً عن شبكة كبيرة تشمل مختلف المراسي، ويستخدم أجهزة الاستشعار رباعية الأبعاد، التي ستعطينا صورةً أوضح بشكل دائم؛ لأجل مراقبة دورة الكربون، وتقييم صحة المحيطات.
ستشمل الشبكةُ -أيضًا- طائراتٍ شراعية ذكية، ومرْكَبَاتٍ مستقلة يمكنها جمع البيانات، كما ستُستخدم أجهزةُ الاستشعار وأجهزةُ الإرسال والاستقبال الصوتية لمراقبة مناطق المحيط المظلمة ذات الأعماق البعيدة، حيث يتم تخزين الكربون. ستجعل هذه الشبكةُ عمليةَ مراقبةِ المحيطاتِ ممكنةً، وهذا يعطي متَّخِذِي القرار صورةً حيةً -بشكل مستمر- عن الحالة التي عليها محيطاتنا.
التلوث البلاستيكي وخطره المحدق
على مدى العقود الكثيرة الماضية أصبح التلوثُ البلاستيكيُّ إحدى الأزمات البيئية الأوسع انتشارًا في العالم. كل عامٍ ينتهي المطاف بملايين الأطنان من النفايات البلاستيكية في المحيطات، مما يؤدي إلى قتل الكائنات البحرية، وتدمير النظم البيئية، وتهديد صحة الإنسان.
وحتى لو كنت تعيش على بعد مئات الكيلومترات من الساحل فإنَّ البلاستيك الذي تتخلص منه قد يشق طريقه إلى البحر. وبمجرد أنْ يدخل البلاستيكُ في المحيط فإنه يتحلل ببطءٍ شديد، ويصير قِطَعًا صغيرةً تُعرف باسم اللدائن الدقيقة (مايكرو بلاستيك)، التي يمكن أنْ تدخل في سلسلة غذاء كثير من الكائنات؛ فتدمر الحياةَ البحريةَ بشكل لا يصدق.
وفي الختام، لا يسعنا إلا أنْ نقول: إنَّ البيئات البحرية في عالمنا تعيش في ظل حقبة صعبة من التلوث، ما ألقى بظلاله على استقرار كثير من هذه البيئات، ومع زيادة ارتفاع درجات حرارة الكوكب فإنَّ المستقبلَ قد لا يبدو مُشرقًا في محيطاتنا.