التجربة الألبانية في السياحة البيئية
التجربة الألبانية في السياحة البيئية
يعيش كوكبنا اليوم على حافة الهاوية، حيث تتزايد وتيرة التحديات البيئية والمناخية بشكل مقلق ومن أبرز هذه التحديات ارتفاع مستوى سطح البحر وزيادة حدة الظواهر الجوية المتطرفة، بالإضافة إلى تدهور النظم البيئية وفقدان التنوع البيولوجي. أمام هذا الواقع الصعب، يتعين علينا جميعًا أن نتحمل مسئوليتنا وأن نسعى جاهدين نحو بناء مستقبل أكثر استدامة.
في هذا السياق، تكتسب السياحة أهمية كبيرة؛ إذ يمكن أن تكون محركًا للتغيير الإيجابي في مواجهة هذه التحديات. ولذلك، ستتناول حماة الأرض في هذا المقال أهمية السياحة البيئية، مع الإشارة إلى كيفية الاستفادة من هذه التجربة في تعزيز السياحة البيئية المصرية.. فتابعوا القراءة.
إن ألبانيا -الواقعة في جنوب شرق أوروبا على حدود البحر الأدرياتيكي والبحر الأيوني- تُثبت نجاحها في تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة، حيث تدرك قيمة التنوع البيولوجي الذي تتحلى به باعتباره أحد أعظم أصولها، كما ترى أن مناظرها الطبيعية ليست مصدرًا للفخر فحسب، وإنما هي مصدر لدخل اقتصادي هائل يمكن استغلاله عن طريق إعطاء الأولوية للسياحة البيئية ودمج جهود الحفاظ على البيئة في استراتيجيتها السياحية، وهي بذلك تقدم دروسًا غنية وملهمة يمكن لمصر الاستفادة منها.
بداية الرحلة
شهدت السياحة في ألبانيا نموًا في السنوات الأخيرة، ففي عام 2023 جاءت ألبانيا في المرتبة الرابعة عالميًّا لأكبر نسبة زيادة في عدد السياح، حيث يأتي العديد من الزوار من جميع أنحاء العالم للاستمتاع بطبيعة البلاد وشواطئها. ونظرًا لأن هذا المستوى من النمو السياحي يشكل خطرًا على الطبيعة والأراضي وفقدان التنوع البيولوجي، قامت حكومة ألبانيا في عام 2017 بإنشاء وزارة تضم السياحة والبيئة معًا؛ إيمانًا منها بأن التنمية السياحية المستدامة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال حماية البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية، وقد كان هذا الدمج خطوة استراتيجية لضمان التنسيق بين قطاعي السياحة والبيئة، بحيث يتم تعزيز النمو السياحي دون الإضرار بالنظم البيئية الحساسة، مما يضمن استفادة المجتمعات المحلية مع الحفاظ على البيئة.
وبناء على ذلك وسعت الدولة مناطقها المحمية لتغطي 21.4% من أراضيها بدلًا من 17.5% في عام 2022، وفقًا لما قالته “ميريلا كومبارو” وزيرة السياحة والبيئة في ألبانيا، التي ذكرت أن هذا يشمل إنشاء منتزه جبال الألب، الذي يغطي مساحة تبلغ حوالي 83 ألف هكتار (830 كيلو متر مربع)، وفيه مناظر طبيعية ووديان جبلية خلابة، ويعد إنشاؤه خطوة نحو تعزيز السياحة المسئولة التي تعود بالنفع على المجتمعات المحلية والبيئية على حد سواء.
منتزه نهر فيوسا
ومن الأمثلة البارزة على ذلك أيضًا منتزه نهر فيوسا البري الوطني الذي أصبح في عام 2023 أول منتزه وطني لنهر بري في العالم، وقد أنشئ بهدف حماية التنوع البيولوجي الفريد الذي تحتضنه منطقة النهر والحفاظ على نظامه البيئي غير المُعدل، وهو يعد نموذجًا عالميًّا في كيفية دمج السياحة البيئية مع الحفاظ على الطبيعة، حيث يتم تنظيم أنشطة، مثل التجديف وصيد الأسماك بطريقة تضمن توافقها مع أهداف الحفاظ على البيئة مع حماية التقاليد الثقافية والزراعة في المنطقة.
وحرصا على تحقيق هذه الأهداف أجرت الحكومة مشاورات مكثفة مع المجتمعات المحلية قبل إنشاء المنتزه، وكان لهذه المجتمعات دور محوري في التخطيط للمنتزه؛ إذ تم إشراكها في عمليات اتخاذ القرار لضمان استفادتها من المشروعات السياحية والبيئية، مما يعزز الشراكة بين الحكومة والمجتمعات المحلية والمنظمات غير الحكومية في جهود الحفاظ على البيئة وتنمية السياحة المستدامة.
جهود ألبانيا في الحفاظ على البيئة
بالإضافة إلى الجهود المحلية كانت هناك جهود دولية، حيث كان للشراكات مع منظمات -مثل برنامج الأمم المتحدة للبيئة وصندوق البيئة العالمي- دور في مساعدة ألبانيا على توسيع شبكة مناطقها المحمية، فقد عززت تلك الشراكات القدرات المحلية من خلال دعم مشروعات كبحيرة “Kune-Vaini lagoon“، ومنطقة الجبال الألبانية الشمالية، مما أفاد قطاع السياحة وجهود الحفاظ على البيئة.
وعلاوة على ذلك، فإن برنامج الأمم المتحدة للبيئة يدعم ألبانيا في العديد من المجالات الرئيسية الأخرى بما في ذلك إدماج العلوم في السياسات، وبناء القدرات، ومجال نقل التكنولوجيا، وأنشطة التوعية. ويحدث الآن دمج طرق التكيف القائمة على النظم البيئية في استراتيجيات التنمية الوطنية لبناء القدرات، وزيادة الوعي بشأن تغير المناخ والحد من تأثيراته.
كيف تستلهم مصر من تجربة ألبانيا؟
من خلال ما سبق نرى أن السياحة البيئية ليست مجرد رحلة استكشافية، بل هي فلسفة حياة تهدف إلى تحقيق التوازن بين الاستفادة الاقتصادية من الموارد الطبيعية وحماية البيئة من التدهور. ومن هنا، يمكن لمصر أن تستلهم من التجربة الألبانية في دمج المجتمعات المحلية في عمليات التخطيط واتخاذ القرار للمشروعات السياحية والبيئية، وتعزيز الشراكات الدولية لدعم مشروعات الحفاظ على البيئة وتوسيع شبكة المناطق المحمية؛ لأنها تتمتع بمواقع طبيعية ساحرة تجعلها وجهة أساسية للسائحين.
ذلك لأنَّ الشعاب المرجانية في البحر الأحمر ، بالإضافة إلى الصحراء الغربية وسيناء والصحراء البيضاء ذات التكوينات الصخرية المدهشة – تُعدُّ جميعها من المعالم السياحية المميزة، التي تتاح من خلالها فرص مميزة لتجربة سياحة المغامرات، كالتخييم ورحلات السفاري، واستكشاف الكهوف، فضلا عن المحميات الطبيعية المدهشة، مثل وادي الحيتان الذي يروي حكايات جيولوجية فريدة، ومحمية وادي الجمال التي تقع في الجزء الجنوبي الشرقي من مصر على طول ساحل البحر الأحمر وتغطي مساحة إجمالية قدرها 7450 كيلومتر مربع، والعديد من المحميات الأخرى التي تتميز بتنوع بيولوجي غني، مما يجعلها وجهة مثالية لعشاق الطبيعة والمغامرة.
كل هذه المعالم وغيرها تجعل مصر قادرة على الاستفادة من النماذج العالمية الناجحة في مجال السياحة المستدامة كنموذج ألبانيا التي نجحت في إنشاء مناطق محمية جديدة تدعم التنوع البيولوجي، حيث أشركت المجتمعات المحلية في تخطيط المشروعات وتنفيذها. فمن خلال تبني هذه الممارسات، والاعتماد على ما تمتلكه مصر من معالم سياحية وبيئية فريدة يمكن تطوير سياسات سياحية تركز على الاستدامة البيئية، وتعزيز التعاون بين الحكومة والمنظمات غير الحكومية والشركات السياحية، ودعم المبادرات التي تسعى إلى الحفاظ على البيئة ومواردها الطبيعية، مما يضمن توازنًا بين التنمية الاقتصادية وحماية الموارد.
وختامًا، فإن حماة الأرض تشجع على تبني مثل هذه الممارسات لتحقيق السياحة البيئية؛ ولهذا تنشر الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة، وتعزيز الممارسات المستدامة في قطاع السياحة، وتدعو جميع الأطراف المعنية من الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني إلى العمل معًا لتحقيق هذا الهدف المشترك.