علوم مستدامة

الفتيات أكثر قلقًا بشأن التغير المناخي من الفتيان

الفتيات أكثر قلقًا بشأن التغير المناخي من الفتيان

التغير المناخي قضية تتجاوز المشكلات البيئة لتتحول إلى أزمة إنسانية تهدد مستقبل البشرية، خاصة الفئات الأكثر ضعفًا؛ فما نشهده من فيضانات تبتلع المدن، وحرائق تلتهم الغابات، وموجات حر قياسية، أصبح واقعًا يوميًّا يعيشه الملايين، وعلى رأسهم الأطفال.

وسط هذا الواقع القلق، بدأت تتشكل ملامح لافتة في الطريقة التي يتعامل بها الصغار مع الأزمة؛ فقد كشفت دراسات حديثة عن وجود اختلاف واضح بين الفتيان والفتيات في استجابتهم النفسية والمعرفية للتغير المناخي، حيث تبدي الفتيات مستويات أعلى من القلق والتفاعل والتعاطف مع هذه القضايا، ويبدو أن هذه الفجوة لا تعود فقط للفروق النفسية، وإنما ترتبط بأسلوب التنشئة والاهتمام بالتفاصيل وتأمل الظواهر من زوايا اجتماعية وشخصية أعمق.

هذا التفاعل المتزايد لدى الفتيات مع قضايا المناخ لا يقف عند حد الشعور، وإنما يترجم غالبًا إلى مبادرات ومشاركات أكثر حيوية في الأنشطة البيئية، والبرامج التوعوية. ومن هنا يبرز تساؤل مهم: هل ينعكس هذا التفاعل المتزايد على مستوى الوعي والقلق البيئي لدى الفتيات مقارنة بالفتيان؟

لقد أظهرت دراسة حديثة أجرتها كلية لندن الجامعية (UCL) أن 44% من الفتيات المشاركات في هذه الدراسة عبّرن عن قلقهن بشأن مستقبل العالم نتيجة التغيرات المناخية، مقارنة بـ 27% فقط من الفتيان. وتمثل هذه الفجوة توجهًا عالميًّا؛ إذ تكشف استطلاعات الرأي في بعض البلدان أن النساء -والفتيات تحديدًا- أكثر انخراطًا في قضايا البيئة من نظرائهن الذكور.

وشملت الدراسة 2429 طالبًا وطالبة تتراوح أعمارهم بين 11 و14 عامًا، وأظهرت أن أكثر من نصف الأطفال يشعرون بالقلق؛ لأن البالغين لا يبذلون جهدًا كافيًا لمواجهة الأزمة. اللافت في الأمر أن قلق الفتيات لا يتوقف عند حدّ الشعور، وإنما يمتد إلى اهتمامهن بالحلول ورغبتهن في المشاركة في الأنشطة البيئية؛ فقد أوضح تحليل ردود الفعل أن الفتيات أكثر ميلًا للدخول في نقاشات بيئية، وأكثر تفاعلًا مع الدروس التي تتناول المناخ، كما أنهن أكثر حساسية تجاه الأبعاد الصحية والاجتماعية للأزمة.

علاقة التغير المناخي بحقوق الطفل

وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل الأبعاد الإنسانية للتغير المناخي؛ فهو أزمة حقوق إنسان حقيقية تؤثر بشكل كبير في الأطفال الذين يدفعون ثمن الأزمة رغم أنهم لم يكونوا جزءًا من صنعها؛ فوفقًا لتقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، يعيش نحو مليار طفل في دول تعتبر من الأكثر تأثرًا بالتغير المناخي، ويواجهون تهديدات خطيرة تمس صحتهم وتعليمهم وظروف معيشتهم.

وتشير الأرقام إلى أن 43 مليون طفل على الأقل اضطروا للنزوح خلال السنوات الست الماضية بسبب الفيضانات والجفاف والحرائق، أي بمعدل20  ألف طفل يوميًّا يفقدون منازلهم أو مدارسهم. مثل هذه الكوارث تُفاقم من ظاهرة الانقطاع عن التعليم، وهذا ما يُهدد تحقيق الهدف (4) من أهداف التنمية المستدامة “التعليم الجيد“.

ولا يقتصر التأثير على التعليم فقط؛ ففي ظل غياب السياسات البيئية الفعالة، يعاني الأطفال من تبعات صحية خطيرة، حيث يؤدي تلوث الهواء إلى زيادة معدلات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي، في حين يشكل نقص المياه النظيفة تهديدًا لصحة ملايين الأطفال في الدول النامية، مما يعوق التقدم نحو تحقيق الهدف (3) المتعلق بالصحة الجيدة والرفاه.

ما دور المدارس؟

لعلّ أخطر ما في أزمة المناخ أنها لا تُلقي بظلالها على الحاضر فقط، وإنما تزرع في نفوس الأطفال شعورًا دائمًا بعدم الأمان وغياب اليقين بشأن المستقبل. وإذا كانت الكوارث المناخية تترك آثارًا مباشرة على الصحة والتعليم وظروف المعيشة، فإن القلق المتنامي في نفوس الصغار يُعد أحد الأعراض غير المرئية لهذه الأزمة، وقد أظهرت دراسة حديثة أجرتها جامعة كوليدج لندن أن أكثر من نصف الأطفال المشاركين يشعرون بالقلق؛ لأن الكبار لا يبذلون ما يكفي لمواجهة الأزمة.

ومع ذلك لا ينبغي النظر إلى هذا القلق بوصفه عبئًا نفسيًّا فقط، وإنما يمكن –إذا وُجه بطريقة صحيحة– أن يتحول إلى وعي مبكر وحافز للتعلّم والمشاركة، حيث إن 75% من الأطفال عبّروا عن رغبتهم في تعلّم المزيد عن التغير المناخي ضمن مناهجهم الدراسية، مع التأكيد على أهمية الأنشطة العملية مثل الرحلات والمبادرات البيئية.

غير أن التحدي يكمن في أن الكثير من المناهج التعليمية لا تزال غير كافية في هذا المجال؛ مما يترك الأطفال في مواجهة القلق دون أدوات حقيقية للفهم أو الإسهام في الحل؛ ولهذا يوصي الخبراء بضرورة دمج التعليم البيئي بشكل أعمق في جميع المواد الدراسية، لضمان بناء جيل واعٍ قادر على التغيير.

كيف تسهم الفتيات في مواجهة التغير المناخي؟

وفي الوقت الذي تُظهر المدارس دورها الحيوي في تقليل قلق الطلاب بشأن التغير المناخي وتعزيز الوعي البيئي، يظهر جانب آخر يستحق الوقوف عنده هو قدرة الفتيات على تحويل هذا القلق إلى قوة للتغيير؛ ففي خضم المخاوف والشكوك التي تسيطر على أجواء المستقبل، تبدو لدى الفتيات استعدادات واضحة للمشاركة الفعالة في مواجهة الأزمة المناخية. وتكمن قوة هذا التحول في الحس العميق لدى الفتيات تجاه قضايا البيئة، حيث يتحول الشعور بالقلق إلى حافز للتعبير عن الرأي والبحث عن حلول مبتكرة.

هذا التحول لا يُعد استثمارًا في الطاقات الشابة فحسب، وإنما يشكل إسهامًا مباشرًا في تحقيق الهدف (5) من أهداف التنمية المستدامة، المتمثل في “المساواة بين الجنسين”، الذي يعد خطوة أساسية لبناء مجتمع عادل ومستدام. ومن هذا المنطلق، تؤكد حماة الأرض أن تمكين الفتيات في العمل المناخي يتجاوز الجانب التعليمي ليصبح قوة استراتيجية تُعزز التوازن وتُحدث تغييرًا فعليًّا في المجتمع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى