تكلفة الطاقة المتجددة العالمية تواصل الانخفاض في 2025
تكلفة الطاقة المتجددة العالمية تواصل الانخفاض في 2025
في عالم يواجه تحديات بيئية واقتصادية متزايدة، تتحول الطاقة المتجددة من خيار مستقبلي إلى أن تكون الحل الأساسي لمعادلة الطاقة العالمية، حيث لم يعد الحديث عن مصادر الطاقة النظيفة يقتصر على الجانب البيئي فحسب، وإنما أصبح عاملًا حاسمًا في حسابات السوق والاستثمار الدولي.
وفقًا لأحدث التقارير الصادرة عن بلومبيرغ “BloombergNEF” -شركة تقدم أبحاثًا استراتيجية تغطي أسواق السلع العالمية والتقنيات المبتكرة التي تقود التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون- فإنَّ تكلفة إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية والرياح تستمر في الانخفاض عالميًّا، حيث يُتوقع أن تتراجع بنسبة تتراوح بين 2% و11% خلال عام 2025، وهو إنجاز جديد في مسيرة التحول نحو الطاقة النظيفة.
ويعكس هذا الانخفاض تطور التقنيات المستخدمة، كما يكشف عن تحولات استراتيجية في سوق الطاقة، حيث أصبحت المشروعات الجديدة للطاقة المتجددة أرخص من نظيراتها القائمة على الفحم والغاز في معظم الأسواق العالمية.
لذلك تناقش حماة الأرض في هذا المقال التحولات العميقة في قطاع الطاقة، وتسلط الضوء على دور الصين في هذا التطور، بالإضافة إلى التحديات التي قد تعيق استمرار انخفاض تكاليف الطاقة؛ فتابعوا قراءة المقال، واكتشفوا ما يخبئه المستقبل للطاقة النظيفة.
الطاقة المتجددة تتفوق على الوقُود الأحفوري
مما لا شك فيه أن الطاقة المتجددة لم تعد خيارًا مكلفًا كما كانت سابقًا، بل أصبحت أكثر تنافسية من حيث التكلفة مقارنة بالوقُود الأحفوري، وهو ما يؤكده تقرير بلومبيرغ الأخير؛ إذ إن تكلفة إنتاج الكهرباء من محطات الطاقة الشمسية والرياح قد انخفضت بشكل ملحوظ، مما جعلها تتفوق على محطات الفحم والغاز التقليدية من حيث التكلفة التشغيلية في معظم أنحاء العالم.
هذه التطورات تفتح آفاقًا جديدة للاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة، حيث بات بإمكان الدول تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة بأسعار أقل مما كانت عليه من قبل، والفوائد لا تقتصر على انخفاض التكلفة فحسب، وإنما تشمل أيضًا سرعة التنفيذ وكفاءة التشغيل؛ ففي حين أن محطات الوقُود الأحفوري تحتاج إلى سنوات لإنشائها، يمكن بناء مزارع الطاقة الشمسية أو الرياح في وقت أقصر بكثير، مما يجعلها خيارًا عمليًا للدول الساعية لتلبية احتياجاتها المتزايدة من الطّاقة بطريقة أنظف وأكثر توفيرًا.
أسباب انخفاض التكاليف
يشير التقرير إلى أن انخفاض تكاليف الطّاقة المتجددة يعود إلى الإنتاج الواسع والتطورات التكنولوجية المستمرة في الوقت نفسه؛ فعلى سبيل المثال، شهدت تقنيات تخزين الطّاقة تطورًا هائلًا خلال السنوات الأخيرة، حيث انخفضت تكلفة تخزين الكهرباء عبر البطاريات بنسبة 33% في عام 2024، ومن المتوقع أن تنخفض إلى ما دون 100 دولار لكل ميجاواط/ساعة في 2025.
كما أن التحسن في كفاءة البطاريات يمثل تحولًا استراتيجيًّا يعزز من قدرة الطّاقة المتجددة على تلبية الطلب بشكل ثابت؛ حيث يمكن تخزين الكهرباء لفترات أطول، مما يتيح لمشروعات الطّاقة الشمسية والرياح تلبية الاحتياجات حتى في غياب أشعة الشمس أو هدوء الرياح، ومن ثم تصبح أكثر اعتمادية باعتبارها مصدرًا رئيسيًّا للطاقة.
اقتصاد أقوى وبيئة أنظف
يسهم التحول إلى الطّاقة المتجددة في تحقيق مكاسب اقتصادية ضخمة، إلى جانب فوائده البيئية؛ فمن خلال تقليل الاعتماد على الوقُود الأحفوري، تتمكن الدول من خفض تكاليف استيراد النفط والغاز؛ مما يعزز ميزانياتها الوطنية، كما أن الاستثمار في مشروعات الطّاقة المتجددة يوفر فرص عمل جديدة في مجالات الهندسة والتصنيع والصيانة؛ مما يدفع عجلة الاقتصاد نحو مسار أكثر استدامة.
كما أنَّ تبني الطّاقة النظيفة يسهم في تحسين جودة الهواء وتعزيز الصحة العامة؛ فكلما زاد الاعتماد على الطّاقة الشمسية والرياح، قلّت الحاجة إلى محطات الفحم الملوثة؛ مما يعني بيئة أنظف ومستوى معيشة أفضل للسكان.
الصين تقود المسيرة
تسهم دول كثيرة في تسريع التحول إلى الطّاقة المتجددة من خلال استراتيجيات مبتكرة ودعم للاستثمارات في هذا القطاع. ومع تزايد الاهتمام العالمي بالطّاقة النظيفة تبرز دولة الصين التي لا يمكن إنكار دورها المحوري في خفض تكاليف الطّاقة المتجددة؛ إذ إنَّ استثماراتها الضخمة في تصنيع التقنيات المتقدمة جعلتها المورد الأول عالميًّا للمنتجات المرتبطة بالطّاقة النظيفة، من الألواح الشمسية إلى بطاريات التخزين الضخمة.
وهذا التأثير لا يقتصر على أسواقها المحلية، وإنما يمتد ليغير معادلة الجدوى الاقتصادية لمشروعات الطّاقة في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الدول النامية التي أصبحت قادرة على تبني تقنيات الطّاقة النظيفة بتكلفة أقل. وبفضل تفوقها الصناعي تستطيع الصين إنتاج ميجاواط/ساعة من الكهرباء باستخدام تقنيات الطّاقة الرئيسة بتكلفة أقل بنسبة تتراوح بين 11% و64% مقارنة بالأسواق الأخرى وفقا لما جاء في التقرير.
على سبيل المثال، أصبحت الطّاقة المولدة من توربينات الرياح البرية في الصين أرخص بنسبة 24% من المتوسط العالمي البالغ 38 دولارًا لكل ميجاواط/ساعة. وبالإضافة إلى خفض التكاليف، تواصل الصين الابتكار وتطوير تقنيات الطّاقة النظيفة، مما يعزز من كفاءتها واستدامتها.
وفي الوقت الذي شهدت فيه معظم الأسواق العالمية ارتفاعًا في أسعار توربينات الرياح منذ عام 2020، واصلت الصين خفض تكاليفها، مما منحها ميزة تنافسية هائلة، حيث تشير بيانات بلومبيرج إلى أن أسعار مكونات التوربينات ستنخفض مرَّة أخرى في عام 2025، مما يعزز من هوامش أرباح الشركات المصنعة.
استراتيجيات الصين لا تقتصر على التصنيع والتصدير، بل تشمل أيضًا الاستثمارات المباشرة في مشروعات الطّاقة المتجددة حول العالم، مثل بناء مزارع الرياح في إفريقيا وإنشاء محطات الطّاقة الشمسية في أوروبا وآسيا. هذه الجهود المستمرة تؤكد أن التوجه نحو خفض التكاليف غير قابل للتوقف، مما يرسخ مكانة الصين باعتبارها محورًا رئيسيًّا في مستقبل الطّاقة المتجددة.
وقد دفع النموذج الصيني العديد من الدول إلى إعادة النظر في سياساتها المتعلقة بالطّاقة؛ ففي حين تواجه بعض الأسواق صعوبة في مواكبة التطور، تواصل الصين سيطرتها على سوق الطّاقة النظيفة، مما يجعلها شريكًا أساسيًّا في أي تحول عالمي نحو مستقبل مستدام.
ورغم محاولات بعض الحكومات فرض رسوم جمركية على المنتجات الصينية منخفضة التكلفة، فإن الاتجاه العام نحو انخفاض الأسعار سيستمر على المدى الطويل، حيث تبقى الابتكارات المستمرة في التصنيع مفتاحًا للحفاظ على تكاليف الإنتاج المنخفضة، مما يجعل سياسات الحماية غير فعالة.
مستقبل الطاقة المتجددة
رغم التقدم الكبير في تقنيات الطّاقة النظيفة على مدار العقود الماضية، لا تزال هناك فرص كثيرة وإمكانات هائلة لمزيد من التحسينات التكنولوجية والاقتصادية؛ فوفقًا لمؤشر بلومبيرغ من المتوقع بحلول عام 2035 أن تنخفض تكاليف توليد الكهرباء عالميًّا بنسبة 26% لطاقة الرياح البرية، و22% لطاقة الرياح البحرية، و31% للطاقة الشمسية الثابتة، وما يقرب من 50% لتخزين الطّاقة بالبطاريات. وهذه الأرقام تؤكد أن المستقبل ينتمي إلى الطّاقة المتجددة، التي باتت تحطم الحواجز الاقتصادية والتقنية التي كانت تعيق انتشارها في الماضي.
يأتي الانخفاض المستمر في تكلفة الطّاقة المتجددة باعتباره خطوة أساسية نحو تحقيق الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة، وهو: ضمان طاقة نظيفة وبأسعار معقولة؛ فمع تزايد قدرة المصادر المتجددة على تلبية الطلب بتكلفة أقل، تصبح الكهرباء متاحة للمجتمعات النائية؛ مما يحسن جودة الحياة دون الحاجة إلى بنية تحتية مكلفة تعمل بالوقُود الأحفوري.
كما تسهم هذه التحولات في تحقيق الهدف الثالث عشر: العمل المناخي، حيث يؤدي تقليل الاعتماد على الوقُود الأحفوري إلى خفض الانبعاثات الكربونية والحد من تغير المناخ، كما يمكن لمصادر الطّاقة النظيفة تقليل الانبعاثات العالمية بنسبة مرتفعة، مما يجعل التحول إلى الطّاقة المستدامة ضرورة ملحّة لمستقبل أكثر أمانًا.
في الختام، تؤمن حماة الأرض بأن المستقبل الواعد للطاقة النظيفة لا يعتمد فقط على انخفاض التكاليف، وإنما يتطلب رؤية واضحة واستراتيجية مستدامة تدعم الانتقال إلى عالم يعتمد بالكامل على مصادر طاقة نظيفة ومتجددة، كما تؤكد أن هذه الثورة هي طريق نحو مستقبل أكثر استدامة، تصبح فيه الطّاقة النظيفة الخيار الأول للعالم بأسره.