خطى مستدامة

حماة الأرض تحاور قلب وعقل الدكتورة/ هبة السويدي

 

حماة الأرض تحاور قلب وعقل الدكتورة/ هبة السويدي

تظل التنمية المستدامة عمليةً متشابكةً مع أهداف الوطن وتطلعاته في كل المجالات، وهو ما يضع على عاتق المجتمع المدنيّ مسئوليةً كبرى للوصول إلى هذه الأهداف؛ لذا فإنَّ حماة الأرض تُسلط الضوءَ علَى تجربة إنسانية تقودها سيدةٌ وهبتْ نفسها لأهل مصر، حيث أيقنتْ أننا جميعًا أهلًا لتحويل الاستدامة من فكرة إلى واقع.

وقد رأينا نتائجَ هذا الواقع في “مستشفى حروق أهل مصر“، ومِن هنا كان معنا حوار من القلب إلى القلب، حيث تتشكل أسمى معاني الإنسانية، التي تجعل من الإنسان جديرًا بإنسانيته؛ حوار خاص مع الدكتورة/ هبة السويدي “مؤسِّسة ورئيسة مجلس أمناء مؤسَّسة أهل مصر للتنمية ومستشفى حروق أهل مصر”.. فإلى سطور الحوار.

ما الدوافع الأساسية وراء قرار إنشاء مؤسسة أهل مصر للتنمية، وإنشاء مستشفى حروق أهل مصر؟

كانتِ البدايةُ في أحداث الثورة، حيث شاركتُ في الميدان طوال الوقت؛ رغبةً في دعم المصابين، وهناك رأيت مدى الضرر الذي لَحِقَ بهم، خاصةً الذين أُصيبوا منهم بحروق، وهو ما لمسته بشدة في حالةِ طفلةٍ كان عمرُها أسبوعًا.

وفي محاولة لإنقاذها سعيتُ إلى الحصول علَى سرير لها في حضَّانة، لكن لم أجد في مصرَ كلها -للأسف- حضَّانةً تقبل مثل هذا النوع من الحالات، وحينما عثرنا علَى سرير في عناية مركزة كانتِ الروحُ قد فارقتها!

لم تكن هذه هي الحالة الوحيدة، فبعدها بوقت قصير احترق طفلانِ يسكنانِ في إحدى القرى؛ جرَّاء لعبهما بالفحم المشتعل، وبدأنا علَى الفور رحلةَ البحثِ عن أَسِرَّةٍ مناسبة لحالاتهما، لكن بعد يومين من البحث وجدنا سريرينِ، غير أنَّ الطفلَ الأولَ قد تُوفِّي وقت وصوله إلى المستشفى، وأمَّا الآخرُ فتُوفِّي بعده بيومين.

ومن الحالات أيضًا حالة توأمينِ دخلَا قسم الطوارئ في أحد المستشفيات، مصابينِ بحروق بسبب مياه مغلية، وظلَّا هناك ثماني ساعات دون أنْ يتدخل الأطباء لإنقاذهما. وقد تدخلت في الأمر حتى أنقلهما إلى مستشفى آخرَ، ولكن قال القدَرُ كلمته! حيث تُوفِّي الطفل الأول بعد دخوله في حالة “Dehydration” شديدة، وبعد عدة ساعات تُوفِّي الآخر نتيجة تَكَسُّرِ دمه. وكل تلك الحالات والحوادث جعلت من مجال الحروق في نظري مجالًا مهمًّا لتقديم المساعدة.

والحمد لله رب العالمين! الذي ساعدني على بناء علاقات بالمستشفيات، والتعاون مع الأطباء المختصينَ، حتى استطعنا إنقاذ ما يقارب 4000 مصابٍ مصريّ، بالإضافة إلى 44 مصابًا مِن ليبيا، ثم عملنا على تأهيلهم ودمجهم في الحياة مرَّةً أخرى، دون أنْ يكون هذا اتباعًا لأيّ معيار سوى معيار الإنسانية، ورغبةً في تقديم المساعدة اللازمة لبلدي بشكل إنسانيّ.

وكنتُ راغبةً أيضًا في فهم هذا الموضوع أكثر فأكثر؛ لذا سعيتُ إلى دراسة الموضوع والتعمق فيه أكثر، لفهم مشكلة الحروق. وفي هذه الأثناء شاءَ اللهُ أنْ أقابلَ الدكتور/ عمرو مبروك، الذي فتح لي نافذةً علَى واقع مشكلة الحروق في مصرَ، طالبًا مني المساعدة علَى علاج هذه المشكلة، ودعم مصابي الحروق في مستشفى عين شمس والدمرداش.

بعدها وضعتُ يدي علَى خيوط المشكلة، وشرعنا علَى الفور في عمل دراسة للموضوع؛ فوجدنا أكثر من نصف مليون حالة -تقريبًا- تصاب بحريق في مصرَ سنويًّا، وللأسف لا توجد بيانات واضحة عن أعداد مصابي الحروق، باستثناء عدد الحوادث المتعلقة بالحروق بصورة عامة، وهي تُقدر بـ51,000 حادثةٍ، لكن دون أنْ نعلم كم عدد مصابي هذه الحوادث!

هذا الرقم مخيف!

نعم، ولا يمكنني تخيل أنَّ كلَّ حادثةٍ تُخرج حالةً واحدةً مصابةً. وصادف أن اطلعت علَى تقرير يقول بأنَّ إصابات الحروق في مصرَ تبلغ واحدًا وخمسينَ ألف حالةٍ مصابةٍ بالحرق الناريّ، لكنني أقصدُ هنا نوعًا آخرَ من الحروق؛ هو الحرق بالزيت المغليّ أو الماء المغليّ.

ثم في عام 2013 اطلعت علَى تقرير طبيّ أصدره أطباءُ شرعيون، يقولون فيه: إنَّ كثيرًا من الحالات المصابة بحروق شديدة -ومن بينهم جثث محروقة- تُسجل علَى أنها حالات هبوط في الدورة الدموية.

في هذا التقرير يحثُّ الأطباءُ المجتمعَ المدنيّ على إيجاد علاج لهذه المشكلة، خاصةً أننا لا نستطيع عمل إحصاء لهذه الحالات، لأنها لا تُسجَّلُ؛ وبالتالي لا يمكن التفريق بين عدد الحالات التي تُوفيت من مرض السرطان -علَى سبيل المثال- والحالات التي تُوفيت نتيجة الحروق؛ وهذا لأنَّ الحرقَ يُصنَّفُ باعتباره جريمةً.

إذنْ، تُحالُ الحادثةُ إلى النيابة، مما يُعرض الأهالي للمساءلة الجنائية، فيسلك الأطباءُ الطريقَ المعتادَ، وهو تقييد الحادثة علَى أنها هبوط في الدورة الدموية، وهذا لا يعكس واقع الأمر؛ لذا قررنا إنشاء مركز بحث اجتماعيّ؛ حتى نقفَ علَى حقيقة الأمر، لنستطيعَ معرفة أعداد الحالات التي تُوفيت بالحرق، وأعداد حالات الحرق -بصورة عامة- في السنة الواحدة، ومعرفة حالات الحرق التي خرجت من التعليم، ومعرفة أعداد حالات الحرق التي تسببت في حدوث الطلاق، وهكذا.

وهنا كانتِ النتيجةُ صادمةً، فقد وجدنا أنَّ الحالات البالغة 500.000 حالةٍ يُتوفَّى منها ما يعادل نسبة 37% في الساعات السِّتِّ الأولى، حينما يصابون بعدوى في الدم، أو هبوط في الدورة الدموية، حيث تَتَيَبَّسُ أعضاء الجسم واحدًا تلو الآخر إلى أنْ يتوقف القلبُ! لذا نُشبِّه حالةَ الحرق بإنسان أُصيب بجلطة في المخ.

فكيف نتعامل مع جلطة المخ؟ بالطبع يجب أنْ نتعامل معها علَى الفور، وإلا فارق الإنسان الحياة. هكذا الحرق خطير، ويحتاج إلى إسعاف وتدخل فوريّ، وإلا تعرض المصاب بالحرق في الساعات الست الأولى لمضاعفات متتالية، وهذا تدخل تحته حالاتُ الزيت المغليّ والمياه المغلية؛ فجميعها إصابات قد تؤدي إلى الوفاة.

وقد قلت سابقًا إنَّ حالات الحرق تؤدي إلى الوفاة في أول ست ساعات بنسبة 37%، أمَّا بعد مرور يوم أو يومينِ فإنَّ هذه النسبة تصل إلى 60% بسبب عدوى الدم. بالإضافة إلى إصابتهم بإعاقات خطيرة، ومِن هنا يجب إجراء العلاج الطبيعيّ؛ تفاديًا لتيبس الأعضاء وجفافها.

كل ذلك كان سببًا كبيرًا في الإصرار علَى المساعدة الإنسانية في هذا المجال، وللحقيقة أنا إنسانة تهوى التحدي، فكلما قابلتُ رفضًا من المجتمع زاد إصراري، واشتدت رغبتي في أنْ أسعى إلى تحمل المسئولية أكثر من ذي قبل.

لقد كانتِ الثورةُ بالنسبة إليَّ نافذةً علَى أمرينِ؛ الأول: علاج المصابين، والآخر: هو النظر إلى المجتمع المصريّ بنظرة مغايرة استفدتُ منها استفادةً كبيرةً؛ وهو ما جعلني أصرُّ على أنْ تكون المساعداتُ في صورة مشروعات، لمساعدة المصابين بإعاقاتٍ جرَّاء حوادث الحروق؛ فلم أكن أساعدُ علَى التواكل، وإنما كنت أعمل علَى دعم المصابين من خلال القروض، وكل مَن كان محتاجًا إلى العلاج. ذلك كله ما جعلني أنظر إلى المجتمع بتلك النظرة المغايرة.

من خلال المبدأ التنمويّ التأثير والمسئولية المجتمعية، كيف تنظر الدكتورة/ هبة السويدي إلى العمل الخيريّ، ودوره في تحقيق أهداف التنمية المستدامة؟

أرى أنَّ دورنا أنْ نسد الثغرات والفجوات الموجودة، وهذا يساعدنا علَى الإفادة في مجالات مختلفة. نحن لدينا في مصرَ مشكلة، هي أننا جميعًا نساعد من خلال “الإطعام”؛ لذا دَعَونَا المجتمعَ المدنيّ إلى حَصْرِ البيانات المتعلقة بالمحتاجينَ؛ حتى تصل المساعدة إلى كل المحتاجين؛ وإذًا يجب تقسيمهم إلى مناطق وتخصصات.

مِن هنا، كانت هذه هي الرؤية التي عملتُ وفقًا لها، وكان يجب أنْ نحدد الأمر أكثر فأكثر؛ لأنَّ الحروقَ مجالٌ واسعٌ، فهل أساعدُ في مجال الحروق بالعلاج فقط، أم بالتوعية والوقاية وربطها بالاستدامة؟ لأنني لو كثَّفتُ حملات التوعية والوقاية فسوف تنخفض نسبةُ الحروق، وكل ذلك يؤثر في الاستدامة، مثل الحد من حالات الانقطاع عن التعليم.

من هذا المنطلق دخلنا البيوت في القرى لإزالة الأسباب المؤدية إلى حدوث الحروق، فدعمنا البنيةَ التحتيةَ من الكهرباء والمياه، بخاصة المياه؛ لذا عملنا علَى توصيل المياه إلى المناطق المختلفة، وتوصيل خطوط مياه رئيسية لتساعد علَى إطفاء الحرائق. سعينا أيضًا إلى تأهيل السيدات الرائدات في قرى الريف، باعتبارهنَّ قدوةً، وهذا يفيد في مخاطبة أهالي القرى؛ فالسيدات قادرات علَى دخول البيوت وتوعية غيرهنَّ.

كما أننا لا نعمل في معزل عن عناصر المجتمع المدنيّ الأخرى، فلدينا بروتوكولات تعاون مع مراكز الأمومة والطفولة، والمجلس القوميّ للمرأة؛ لأننا نعمل علَى مكافحة قضيتينِ غايةً في الخطورة، هما: العنف ضد المرأة، والعنف ضد الأطفال!

كل تلك القضايا تصب في الاستدامة، بدءًا من التوعية والوقاية، ثم العلاجِ. والعلاجُ يشمل العلاجَ الجسديّ الطبيعيّ، وكذلك العلاجَ النفسيّ -وهو أشدها تأثيرًا- والعلاج الحركيّ الوظيفيّ. ومن خلال هذا الأخير نعمل علَى إعادة تأهيل المصابين وبناء قدراتهم؛ حتى يتمكنوا من استخدام أيديهم -علَى سبيل المثال- مرَّةً أخرى؛ وبالتالي نساعدهم علَى العودة إلى الحياة، سواء من خلال إكمال تعليمهم، أم عن طريق استئناف أعمالهم.

وبخصوص توقف مسيرة التعليم بالنسبة إلى بعض الحالات، فهذا يرجع في الأساس إلى التنمر، الذي يَحولُ دون أنْ يستكملَ المصابُ دوره في المجتمع؛ لذا نتعاون مع المدارس علَى تنفيذ برامج العودة إلى المدرسة، وهذا النوع من البرامج يشمل تأهيلَ الطلاب والمُعلِّمين والعاملين في هذه المدارس؛ لأجل التعامل مع هذه الحالات بصورة صحيحة. وذلك كله أيضًا يصب في الاستدامة.

وأمَّا بالنسبة إلى تمكين السيدات، فنحن نساعدهنَّ من خلال “القرض الدوَّار”، ونعلمهنَّ إقامة وتنفيذ بعض المشروعات الصغيرة، ولدينا قصص نجاح باهرة. وبهذه المشروعات يستطعنَ تسديد القروض، ثم الوصول إلى الحرية المادية. بالإضافة إلى أنَّ حالاتٍ كثيرةً تعمل معنا في المستشفى لإكمال المسيرة المهنية؛ وحينئذٍ نكون قد حققنا جوهرَ الاستدامة وأهم أهدافها.

هناك جانبٌ آخرُ، هو كيف أننا جعلنا المستشفى -مستشفى حروق أهل مصر- مشروعًا مستدامًا، وكان هذا علَى محورينِ، الأول: تنمويّ، والآخر: ماليّ يخص الكيان نفسه. وهذا تدخلُ فيه “الحوكمةُ”، التي تُعدُّ مؤثرًا مهمًّا في الاستدامة، ومعناها وضع معايير اختيار العاملين في مجال مثل هذا، باعتبارهم أساسًا مهمًّا عند السعي إلى تحقيق الأهداف التنموية.

أمرٌ آخرُ متعلق بالمستشفى، هو أنَّ جزءًا منه -20% تقريبًا- غير قائم علَى التبرعات، ولدينا ما يؤهلنا لفعل هذا، فلدينا عيادات خارجية تبلغ 14 عيادةً تخدم تخصصات مختلفة من ضحايا ومصابي الحروق، بخاصة أنَّه لا توجد مستشفيات قريبة من موقعنا؛ لذا تُقدم هذه العياداتُ خدماتٍ طبيةً عامةً إلى المواطنين، كالتحاليل والكشف بالأشعة. وإلى جانب هذه العيادات هناك مركز الليزر ومركز العلاج الطبيعيّ والتأهيل النفسيّ، ولا يدفع المواطن فاتورةً وإنما مجرد تبرع، وهذا التبرع يكون صدقةً جاريةً في مكان مجهز بأحدث الأجهزة، ويكون سببًا في إنقاذ إنسان.

تُنادينَ كثيرًا بضرورة إقرار الأمم المتحدة بيوم عالميّ لضحايا الحروق، ليكون اعترافًا بالتحديات التي تواجههم؛ فما أهم هذه التحديات؟

نعم، أرجو أنْ يكون هناك يوم مصريّ عربيّ عالميّ لضحايا الحروق، ولا أريد أنْ يكون الأمر مجرد مستشفى أو مؤسسة، بل إننا قادرون في مصرَ أنْ نكون رائدينَ -عالميًّا- في هذا المجال. ومثلما استطعنا أنْ نجعل يومًا عربيًّا لليتيم أعتقد أننا قادرون علَى تنفيذ هذا بالنسبة إلى مصابي الحروق. ولننظرْ -عالميًّا- إلى يوم الإيدز، أمَّا الحروق فليس لها يوم ثابت، وإنما عبارة عن أسابيع عالمية، كل أسبوع مختلف عن الآخر.

أمَّا عن تحديات هذا المجال فتتمثل في أننا لم نتواصل بالشكل الكافي مع هيئة الأمم المتحدة، وكان علينا الاجتماع مع بعض الدول بخصوص هذا الأمر؛ لكن كورونا حالتْ بيننا وبين هذه المساعي مدة سنتينِ متواصلتينِ. والخطوة الأهم هنا، هي أننا نحتاج إلى تسجيل هذا اليوم أولًا في جامعة الدول العربية ووزارة الخارجية.

لقد أدركتُ أنَّ الأمرَ يجب أنْ يبدأ أولًا بعمل قصة نجاح، وحينئذٍ يمكن تحقيق الحلم الأكبر. وللحقيقة أنا أحلم أن يكون الأمر عالميًّا؛ أي أنْ تصبح قضيةُ الحروق هَمَّا عالميًّا.

لذا، سعيتُ إلى هذا الحلم انطلاقًا من بلدي -مصر- أولًا، غير أنني عانيتُ تحدياتٍ كثيرةً داخل المجتمع المصريّ، التي كانتْ في صورة هجوم غير مبرر، وكان أشده ذلك الهجوم الذي طالني -شخصيًّا- بعدما دشنتُ فكرةَ “حصالة الخير”، وكنت مندهشةً من أنَّ العملَ الخيريّ كيف أصبح تهمةً!

هناك كثير من الناس لا يريدون سماع شيء عن الحروق ومشكلاتها، حتى وصل الأمر إلى أنني هوجمتُ عندما كنت أساندُ الطفلةَ رغدة في مبادرة “قادرون باختلاف”؛ حتى يسمع المسئولون لنا، وحتى تقابل هذه الطفلة الجميلة السيد رئيس الجمهورية. وهناك واجهتُ إحباطًا واتهامًا غير طبيعيينِ! حيث قال البعض: لا يجب أنْ يرى رئيس الجمهورية طفلةً مشوهةً!

كيف هذا؟! لقد كنت واثقةً من أنَّ السيد/ عبد الفتاح السيسي -رئيس الجمهورية- يريد أنْ يرى الطفلةَ رغدة وكلَّ مَن في مثل ظروفها؛ طفلة صاحبة ابتسامة جميلة ومحاربة، استطاعت صُنع قصة نجاحها وصمودها، وتسعى إلى أنْ تكون مستشارةً محاميةً، وقد حاربنا كثيرًا لأجل أنْ تُقبل في جامعة أسيوط.

أين هي المشكلة؟! إنه قدر الله! لذا يجب علَى الناس أنْ يتقبلوهم، وعلَى الرغم من ذلك فإنَّ سيادة رئيس الجمهورية السيد/ عبد الفتاح السيسي عندما تقبَّل الطفلتينِ بسملة ومنال منذ عامينِ في مبادرة “قادرون باختلاف” تصدرت القضية اهتمامات المصريين، وأصبح هذا نقطةَ تحول مهمة؛ فبعدها سَعَتْ إلينا القنواتُ بعدما كانت تمتنع عن تسليط الضوء علَى هذه الحالات. تلك هي التحديات، وهي في نظري تتمثل أكثر ما تتمثل في المعافرة مع المجتمع، وعلَى الرغم من أننا ما زلنا نعاني فإنَّ الأوضاعَ الآن أفضل بكثير.

لمؤسَّسة أهل مصر جهود تنموية عديدة، ومنها التعاون علَى إطلاق مشروع تطوير 100 قرية في محافظة بني سويف؛ فهل يمكن أنْ تحدثينا عن هذه المبادرة وغيرها من المبادرات التنموية في مؤسَّسة أهل مصر؟

الحمد لله الذي ساعدنا علَى قطع شوط طويل في هذه القرى! حيث أنشأنا فيها خطَّ مياه رئيسيّ، وهذا بالتعاون مع شركة كوكاكولا، ونعمل الآن علَى تنفيذ برامج التوعية والوقاية من أخطار الحروق.

وللحقيقة أرى أنَّ للدولةِ جهودًا كبيرةً في تنمية الريف المصريّ، أمَّا نحن فنحاول التركيز أكثر علَى التوعية والوقاية من أخطار الحريق، ومعالجة الحالات المصابة بالحريق، فضلًا عن تأهيل هذه الحالات ومساعدتها علَى استئناف تعليمها؛ هذا هو همنا الأكبر.

حصدت مؤسَّسةُ أهل مصر الجائزةَ الرئاسيةَ للمجلس الدوليّ للمشروعات الصغيرة، تقديرًا لجهود المؤسَّسة في تطوير مجال رعاية ضحايا الحروق طبيًّا ونفسيًّا، وإعادة دمجهم في المجتمع؛ فكيف عملت المؤسَّسة علَى دعم هؤلاء الضحايا؟

إننا -مثلما قلتُ سابقًا- ندعم ضحايا الحروق بالعلاج الجسديّ والنفسيّ، ثم مرحلة تأهيلهم، وبعدها يدخلون في مرحلة الـ”Life Coaching”؛ حتى يتعلموا كيفية التعامل مع الناس. كما نعمل علَى تعزيز طموحاتهم وأحلامهم، لتكون هذه الطريقة نوعًا من التوعية والنظر إلى الحياة من جديد. هذا بالإضافة إلى تعليمهم بعض الأعمال، وتعليم مَن لم يتعلم منهم، حتى إنَّ إحدى الحالات كانت سيدةً في الستين من عمرها، وقد ذهبتْ إلى فصول محو الأمية.

أيضًا، هناك القرض الدوَّار الذي ألمحتُ إليه سابقًا، والذي يساعدهم علَى إقامة المشروعات الصغيرة، كما نساعدهم علَى توزيع منتجاتهم من خلال برنامج اسمه “صالحة”، ويشاركون في المعارض المختلفة. وقد استطاع بعضهم تأسيس محلات خاصة بهم، بل إنَّ منهم مَن استطاع الوصول إلى الأسواق خارج مصر؛ فنحن نساعدهم علَى أنْ يتعلموا حرفةً، ونساعدهم علَى توسيع نشاطاتهم، وفي النهاية يصبحون أناسًا طبيعيينَ، وقد استطاع 75% من هؤلاء تسديد القرض قبل موعده. وهذه الأموال يُعاد ضخها مرَّةً أخرى لصالح حالات أخرى تستحق الدعم.

لُقِّبْتِ بـ”أُم الثوار”، لجهودكِ الفعَّالة في علاج مصابي ثورة 2011 والثورة الليبية؛ فما الذي يعنيه هذا اللقب بالنسبة إليكِ؟

الحقيقة هو لقب يُعبر عن مرحلة زمنية ماضية، تحديدًا منذ ثورة 2011 حتى أحداث الاتحادية، وهو لقب أعتزُّ به جدًّا، وكان نتاجَ مرحلةٍ من مراحل حياتي، وهي مرحلة لا تمثلني وحدي، وإنما كان إنجازًا لفريق من الناس الذين كانوا معي منذ بداية الطريق، كالحاجّة صالحة، وغيرها من مصابي الثورة. وقد أسستُ بهم فريقَ عمل؛ ليساعدني علَى خدمة أهلي وبلدي، لكنني أؤكد أنَّ هذه المرحلة أصبحت من الماضي، أمَّا المرحلة الحالية فهي مرحلة “أهل مصر”، حيث نسعى الآن إلى تقليل نِسب وفيات الحروق.

حماة الأرض

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى