مشروعات مصر 2025: مدن صناعية واقتصادية في قلب التنمية المستدامة

مشروعات مصر 2025: مدن صناعية واقتصادية في قلب التنمية المستدامة
بينما يسعى العالم جاهدًا لاحتواء الأزمات الجيوسياسية وتداعياتها الاقتصادية، اختارت مصر أن تُقابل الخطر بالتخطيط، والفوضى بالبناء، والتهديد بالابتكار؛ ففي لحظةٍ يعلو فيها ضجيج الحروب شرقًا وغربًا يعلو في مصر صوت آخر.. صوت الآلات التي تُبني، والألواح الشمسية التي تُركَّب، والمبادرات الرقمية التي تُطلَق؛ إنه صوت التنمية المستدامة.
لقد جاءت قرارات الحكومة المصرية الأخيرة مترابطة، وهذا ضمن مشهد متكامل لخطة تنموية، تهدف إلى ترسيخ دعائم الاقتصاد الأخضر والرقمي في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية في محافظات الجمهورية كافةً، من أطفيح إلى جرجوب، ومن المنيا إلى الواحات، ومن الشاشات الذكية إلى شمس الصحراء، حيث تكتب مصر فصلًا جديدًا من فصول سعيها نحو مستقبل أكثر عدلًا واستدامة.
وفي هذا التقرير تصحبكم حماة الأرض في جولة تحليلية عبر أبرز القرارات الحكومية الحديثة، التي تُجسِّد تلاقي المسارات التنموية في مجالات الصناعة والطاقة، وتُبرهن أنَّ الاستثمار في المستقبل يبدأ من الحاضر مهما كانت التحديات المحيطة به.
مدينة أطفيح الصناعية
لم تكن أطفيح في السابق من المناطق المرتبطة بالتنمية الصناعية، إلا أنَّ الحكومة وافقت على تخصيص أكثر من 26 ألف فدان لإقامة مدينة صناعية متكاملة، تُسهم في خلق اقتصاد محلي جديد وتوزيع الثقل الصناعي بعدالة، بعيدًا عن تكدّس المدن الكبرى.
وفي هذه المدينة المستقبلية لا يُنتظر إنشاء مصانع ومناطق لوجستية فقط، وإنما يُتوقع أن تتحوَّل إلى مركز لتوطين الصناعات الصغيرة والمتوسطة؛ مما يدعم الهدف الثامن (العمل اللائق والنمو الاقتصادي)، ويُعزّز فرص الشباب والنساء في الانخراط بسوق العمل ضمن بيئة إنتاجية مستدامة.
ويُمهّد المشروع -بيئيًّا- لتطبيق تقنيات الإنتاج النظيف وإعادة التدوير منذ لحظة التأسيس؛ مما يجعله نموذجًا للمدن الصناعية الخضراء التي تراعي الاستهلاك والإنتاج المسئولين (الهدف 12)، وتُقلل من الانبعاثات وتُسهم في صون الموارد الطبيعية.
كما أنَّ إنشاء مدينة صناعية في أطفيح يُعزِّز جهود تقليص أوجه عدم المساواة (الهدف 10)، من خلال إدماج المناطق الأقل نموًّا في قلب الدورة الاقتصادية، وتطوير البنية التحتية في الجيزة وقراها من طرق، ومياه، وكهرباء، وخدمات لوجستية.
شمس الصعيد والواحات
وبالتزامن مع انطلاق مشروع أطفيح وافقت الحكومة على مشروعين للطاقة الشمسية بالشراكة مع شركة “ستيت جريد” الصينية، بقدرة 900 ميجاوات موزعة بين المنيا والواحات. وهذه الأرقام تحمل دلالات إنسانية واقتصادية؛ ومنها آلاف المنازل المُضاءة بالكهرباء، والمصانع المبنية وفق استراتيجيات الاستدامة، والقرى التي تتنفس طاقة نظيفة.
وتتوافق هذه الخطوة مع الهدف السابع (طاقة نظيفة وبأسعار معقولة)، والهدف الثالث عشر (العمل المناخي)، إذ تُسهم المحطات في خفض الاعتماد على الوقود الأحفوري وتقليل الانبعاثات، وتعزيز التزام مصر باتفاقية باريس واستراتيجيتها الوطنية للطاقة 2040، لا سيما أنَّ المنطقة العربية تمر الآن بحالة من التوترات الإقليمية الحادة؛ مما يجعل الاعتماد على الطاقة المتجددة ضرورة استراتيجية.
والأهم من ذلك، هو أنَّ هذه المشروعات تُحقّق نوعًا من العدالة في مجال الطاقة، من خلال نقل التكنولوجيا والعوائد الاقتصادية إلى مناطق كانت مهمّشة لعقود من الزمان، وتوزيع “الثروة الشمسية” على كل ربوع الوطن.
جرجوب بوابة البحر الأبيض المتوسط
في أقصى الشمال الغربي صادقت الحكومة على إنشاء منطقة جرجوب الاقتصادية الخاصة، على مساحة تبلغ 402 ألف فدان؛ لتكون مركزًا حديثًا للابتكار في التجارة والطاقة والخدمات اللوجستية. ويُعد مشروع جرجوب استثمارًا اقتصاديًّا ونقطةَ التقاءٍ بين التنمية الساحلية المستدامة والطموح الجيوسياسي المصري؛ لأنه بفضل موقعها على البحر الأبيض المتوسط يُمكن أنْ تتحول إلى مركز للتجارة النظيفة، وميناء ذكي يُدار بالطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي.
ومن المنتظر دمج مبادئ الهدف التاسع (الصناعة والابتكار والبنية التحتية) والهدف الحادي عشر (المدن والمجتمعات المحلية المستدامة) في تصميم المنطقة؛ كي تُشكِّل مثالًا على تناغم السياسات الاقتصادية مع أبعاد التنمية المستدامة.
ويُرسل قرار إنشاء جرجوب -المتزامن مع تطورات الإقليمية الحساسة- رسالةً مفادها أنَّ مصر لا تترك مستقبلها رهينة للظروف، بل ترسمه بيدها عبر أدوات مرنة، ومناطق اقتصادية ذات طبيعة خاصة تُسهم في تعزيز النمو والتحصين الوطني.
الثورة الصناعية الرابعة
وسط هذه المشروعات الكبرى، أولَت الحكومة اهتمامًا خاصًّا بالعنصر البشري عبر مبادرة “الرواد الرقميون”؛ من أجل تأهيل الشباب في مجالات البرمجة، والذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، وغيرها من تخصصات المستقبل.
وتتماهى المبادرة مع الهدف الرابع (التعليم الجيد) والهدف الثامن (العمل اللائق)؛ إذْ تسعى مصر بهذه المبادرة الوطنية إلى التحول بالاقتصاد الوطني ليكون ناحية مجالات البرمجيات والخدمات الرقمية، والعمل على تعزيز بيئة الابتكار المحلي، خصوصًا في المدن الذكية والمناطق الاقتصادية.
وفي الختام تؤكد حماة الأرض أنَّ ما شهدته مصر في الأيام الأخيرة من قرارات ومشروعات صناعية واقتصادية يُمثِّل علامة فارقة على طريق التنمية المستدامة، من خلال رؤية وطنية تستشرف المستقبل وتحدياته.





