منتدى الاقتصاد الدائري 2025: منصة التقاء العقول والمبادرات
منتدى الاقتصاد الدائري 2025: منصة التقاء العقول والمبادرات
استطاعت جهود التنمية المستدامة أنْ تصنع مفاهيم جديدة لدعم موارد الأرض وتنمية ثرواتها، ومن بين هذه المفاهيم مفهوم الاقتصاد الدائري، الذي ينظر إلى الطبيعة ومواردها نظرةَ تقدير واهتمام، وهو المفهوم الذي يساعد الإنسان على الحدِّ من استنزاف الموارد، ومنع زيادة النفايات وتراكمها في الطبيعة من حولنا، وذلك كله في إطار مكافحة آثار التغير المناخي.
مِن هنا -في ظل الجهود العالمية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة- تستعد قارة أمريكا اللاتينية الغنية بالثقافات لاستضافة حدث محوري يناقش مفهوم الاقتصاد الدائري والجهود المبذولة بخصوصه على مستوى العالم؛ مما يعكس تحولًا استراتيجيًّا نحو إشراك دول الجنوب العالمي في قيادة التحول الأخضر.
وفي هذا الحدث العالمي سيتم تبادل الخبرات والأفكار حول كيفية دمج هذا النموذج في الصناعات العالمية بما يتوافق مع أهداف التنمية المستدامة، التي يسعى العالم إلى تحقيقها؛ لذا سوف تتناول حماة الأرض في هذا المقال أبرز محاور المنتدى العالمي للاقتصاد الدائري 2025، ومدى تأثيره الإيجابي في مستقبل الاقتصاد العالمي.
مؤتمر عالمي في البرازيل
تقوم مؤسسة الابتكار الفنلندية “سيترا – Sitra” على تنظيم المنتدى العالمي للاقتصاد الدائري، وهذا بالتعاون مع شركاء محليين، مثل اتحاد الصناعات في المدينة البرازيلية ساو باولو (FIESP-Federation of Industries of the State of São Paulo)، واتحاد الصناعة الوطنية البرازيلية (CNI)، وسيُعقد المنتدى بين يومَي 13 و16 مايو في متنزه “إيبيرابويرا”؛ أحد أشهر رموز الحداثة المعمارية في أمريكا اللاتينية، وهو موقع متميز يضم قاعتين صممهما المعماري البرازيلي الشهير “أوسكار نيماير”، جامعًا بين الجمال العمراني والرؤية البيئية المتجددة.
ومن المتوقع في هذه النسخة التاسعة من المنتدى أنْ يركز المشاركون على دمج القطاع الإنتاجي في النقاشات وجلسات الحوار، مع تسليط الضوء على الممارسات الصناعية المستدامة، وكذلك المبادرات الناشئة في مجالات إعادة التدوير، والتصنيع الأخضر، وسلاسل الإمداد الدائرية.
ومن الجدير بالذِّكر هنا، أنَّ هذا المنتدى -المنتدى العالمي للاقتصاد الدائري- حدث عالمي رائد في مجال الاقتصاد الدائري، ويوفر منصةً لتبادل المعرفة والخبرات، وبناء الشراكات، ودفع عجلة التحول إلى اقتصاد دائري مستدام. وهو يقوم بدوره هذا منذ عام ٢٠١٧، وقد استُضيفَ حتى الآن في رواندا بإفريقيا، واليابان بآسيا، وبلجيكا وفنلندا وهولندا بأوروبا، وكندا بأمريكا الشمالية.
دور أمريكا اللاتينية في قيادة التحول الأخضر
إنَّ اختيار البرازيل لاستضافة المنتدى العالمي للاقتصاد الدائري اعتراف ضمني بأهمية أمريكا اللاتينية في رسم ملامح الاقتصاد الأخضر العالمي؛ فهي قارة زاخرة بالموارد الطبيعية، وتُعاني في الوقت ذاته من تحديات بيئية حادة؛ مما يجعلها منصة جغرافية تُطبَّقُ فيها مفاهيم الاقتصاد الدائري، من خلال الاستثمار في الابتكار البيئي، وتطوير الصناعات المستدامة.
ومع ذلك يجب أنْ نترجم الرؤى المطروحة في هذا المنتدى -وغيره من المنتديات العالمية- إلى واقع، وهذا هو دور الحكومات والمؤسسات جنبًا إلى جنب مع أفراد المجتمعات؛ لذا من الضروري أن تتبنى الحكومات -تحديدًا- سياسات تحفيزية لتشجيع التحول إلى الاقتصاد الدائري، بما في ذلك الإعفاءات الضريبية، والدعم التمويلي في ظل تطور المفاهيم المرتبطة بالحوكمة البيئية والاجتماعية؛ كي يمكن للشعوب كلها أنْ تصنع مستقبلًا مستدامًا قائمًا على الشراكات الفعَّالة.
الاقتصاد الدائري على خط المواجهة
حين نُمعن النظر في جوهر الاقتصاد الدائري نجد أنه لا يهدف إلى تقليل النفايات أو الحفاظ على الموارد فقط، فهو أسلوب مستدام يسعى إلى إعادة صياغة المنظومتين الاقتصادية والصناعية عبر إعادة التفكير في التصميم، والإنتاج، والاستهلاك؛ التزامًا بالهدف رقم (12) المتعلق بالإنتاج والاستهلاك المسئولين، وكذلك الهدف رقم (13) المتعلق بالعمل المناخي، والهدف رقم (9) الخاص بالصناعة والابتكار والبنية التحتية.
ومن المثير للاهتمام هنا، هو أنَّ الاقتصاد الدائري يُمكِّن الشركات من تحقيق ميزة تنافسية بالدخول في أسواق جديدة قائمة على الابتكار البيئي، وهو ما أكدته مؤسسة “سيترا” في تقريرها السنوي، الذي أشار إلى أنَّ نماذج الاقتصاد الدائري قد تسهم في تحقيق فوائد اقتصادية عالمية تُقدَّر بتريليونات الدولارات بحلول عام 2030.
ختامًا، فإنَّ الفرصة تبدو اليومَ سانحةً أكثر من أي وقت مضى لإحداث تغيير شامل في طريقة تفكيرنا، وإعادة تشكيل أنظمتنا الاقتصادية بما يخدم الإنسان والأرض في آن معًا. وترى حماة الأرض أنَّ هذا المنتدى المرتقب في ساو باولو بداية لعهد جديد من الالتزام بأهداف التنمية المستدامة.