وقود الطيران المستدام رحلة في سماء خضراء

وقود الطيران المستدام رحلة في سماء خضراء
في ظل التحديات البيئية المتزايدة أصبح البحث عن حلول مستدامة في قطاع الطيران ضرورة ملحة، ومن هذه الحلول: وقود الطيران المستدام “SAF – Sustainable aviation fuel”، الذي يَعِد بتقليل الانبعاثات الكربونية والإسهام في حماية كوكبنا؛ لذا سوف تتناول حماة الأرض في هذا المقال مفهوم وقود الطيران المستدام، خصائصه، فوائده، ومستقبله الواعد.. فتابعوا قراءة المقال.
وفقًا لتقرير صادر عن مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية (كابسارك) يُعد قطاع الطيران مسئولًا عن حوالي 2% من الانبعاثات العالمية لثاني أكسيد الكربون، و12% من إجمالي انبعاثات قطاع النقل، وهو بذلك يمثل خطرًا كبيرًا على البيئة. ونظرًا لهذا التهديد البيئي برزت الحاجة إلى بدائل للوقود الأحفوري، ومن هنا أتى دور وقود الطيران المستدام بوصفه حلًّا واعدًا لتقليل البصمة الكربونية للطيران.
وبناء على ذلك حدث تطور ملحوظ في التوجه العالمي نحو تبني حلول مستدامة في قطاع الطيران، حيث أشار تقرير الاتحاد الدولي للنقل الجوي (IATA) لعام 2022 إلى أن إنتاج وقود الطيران المستدام وصل إلى حوالي 300 مليون لتر، بزيادة قدرها 200% مقارنة بعام 2021.
تعريف وقود الطيران المستدام
هذا النمو الكبير في إنتاج وقود الطيران المستدام يعود إلى استخدام مصادر متجددة مثل الزيوت النباتية والنفايات الزراعية، فهو نوع من الوقود الحيوي المصمم للاستخدام في الطائرات، وهذا ما يجعله خيارًا جذابًا لتحقيق أهداف الاستدامة في قطاع الطيران.
خطوات إنتاج وقود الطيران المستدام
هذه المواد الخام المتجددة كالزيوت النباتية، والدهون الحيوانية، والنفايات الزراعية، والنفايات البلدية الصلبة؛ تدخل في عملية إنتاج الوقود، وهي عملية تتضمن عدة مراحل رئيسية؛ هي:
- جمع المواد الخام: تعد هذه المرحلة حجر الأساس في إنتاج وقود الطيران المستدام، حيث تتحكم في تحديد جودة الوقود؛ فاختيار المواد الخام المناسبة يؤثر بشكل مباشر في كفاءة عملية الإنتاج وجودة الوقود الناتج.
- المعالجة الأولية: تُزال الشوائب والملوثات من المواد الخام؛ لضمان جودتها واستعدادها لعمليات التحويل اللاحقة.
- التحويل إلى مُركَّبات وسيطة: تُعد هذه المرحلة هي قلب عملية الإنتاج، وفيها تُحوَّل المواد الخام إلى مُركَّبات هيدروكربونية وسيطة باستخدام تقنيات كالتحلل الحراري والتخمير، ويحدد هذا التحويل الخصائص الفيزيائية والكيميائية للوقود النهائي؛ مما يجعله متوافقًا مع متطلبات صناعة الطيران.
- التكرير والتعديل: تُعالَج المُركَّبات الوسيطة كيميائيًّا لتحويلها إلى وقود سائل بخصائص مشابهة لوقود الطائرات التقليدي، وهذه التعديلات الكيميائية الدقيقة تضمن أن يكون الوقود الناتج متوافقًا مع الوقود التقليدي؛ مما يسهل دمجه في البنية التحتية الحالية.
- المزج والاختبار: هذه المرحلة هي المرحلة النهائية التي تضمن جودة وسلامة الوقود قبل استخدامه، حيث يُخلط الوقود الناتج مع وقود الطائرات التقليدي بنسب محددة، ثم يُختبر لضمان توافقه مع معايير الأداء والسلامة المطلوبة.
خصائص وقود الطيران المستدام وفوائده
بعد هذه العملية الدقيقة نحصل على وقود مستدام يتميز بقدرته على التكامل مع البنية التحتية الحالية للطيران، مما يسهل الاعتماد عليه دون حاجَةٍ إلى تعديلات كبيرة في المحركات أو أنظمة التوزيع. وهذا التكامل المباشر الذي يتحقق بسبب تطابق الخصائص الفيزيائية والكيميائية لوقود SAF مع الوقود التقليدي بعد عمليات التكرير والتعديل – يُسرِّعُ من عملية الانتقال إلى طاقة أكثر استدامةً في قطاع الطيران.
بالإضافة إلى ذلك، يُعزز وقود الطيران المستدام أمن الطاقة من خلال تنويع مصادر الوقود، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، كما يدعم تطوير الاقتصاد المحليّ من خلال توفير فرص عمل في مجالات الزراعة والتصنيع.
ومما لا شك فيه أن استخدام هذا النوع من الوقود الصديق للبيئة يسهم في تحسين جودة الهواء، ويساعد على تقليل التلوث الناتج عن الطيران؛ مما يؤدي إلى فوائد صحية وبيئية للمجتمعات المحيطة بالمطارات والمناطق المتأثرة بحركة الطيران.
مستقبل وقود الطيران المستدام
مع التقدم التكنولوجي وزيادة الوعي البيئي، يُتوقع أن يؤدي SAF دورًا محوريًّا في مستقبل الطيران، حيث تعمل شركات وحكومات على دفع خطوات تطوير هذه التقنية الجديدة. ومِن أبرز هذه الخطوات: استخدامُ الميثانول الأخضر في تزويد الطائرات بالوقود، وهذا بالاعتماد على دمج الهيدروجين الأخضر بثاني أكسيد الكربون.
وقد شهدت دبي في ديسمبر 2023 أول رحلة تجريبية لاختبار إمكانية استخدام الميثانول باعتباره مصدرًا لإنتاج وقود طيران مستدام، ويُعد هذا حلًّا مبتكرًا يهدف إلى تقليل الانبعاثات الكربونية في قطاع الطيران؛ مما يفتح آفاقًا جديدةً في هذا المجال. وفي خطوة جريئة نحو تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، دعا الاتحاد الدولي للنقل الجوي (IATA) الحكوماتِ العالميةَ إلى تسريع اعتماد وقود الطيران المستدام من خلال تحفيزات عاجلة.
وتشير التوقعات إلى أن الوقود المستدام سوف يسهم في تقليص البصمة الكربونية لقطاع الطيران بنسبة 65% بحلول 2050. ولتحقيق ذلك سيحتاج القطاع إلى زيادة الإنتاج السنوي من 125 مليون لتر إلى 5 مليار لتر بحلول 2025. ومع الدعم الحكومي، يمكن لهذه الحوافز أنْ تحقق طفرةً هائلةً، وتدفع الإنتاج إلى 30 مليار لتر بحلول 2030، وهو الأمر الذي يمثل نقطة تحول كبيرة في صناعة الطيران نحو الاستدامة.
وفي الختام، فإنَّ مثل هذه الابتكارات فرصة كبيرة لتعزيز الخطوات المستدامة في قطاع الطيران، وفي غيره من القطاعات. وهذا أمر تهتم به حماة الأرض في جميع أنشطتها التوعوية؛ من أجل مستقبل أكثر استدامةً لجميع شعوب العالم.