خطى مستدامة

دليلك إلى أداء فريضة الحج بصورة مستدامة

الحج

دليلك إلى أداء فريضة الحج بصورة مستدامة

لم تكن حماة الأرض يومًا من الأيام إلَّا مؤسسة تنظر إلى مناحي الحياة كلها نظرةَ شمولٍ واهتمامٍ، وهي النظرة المبنية على أسس التخضير وخطط التنمية المستدامة و”رؤية مصر 2030″؛ رافعةً -من أجل تلك النظرة الوطنية- شعارَ التوعية المستدامة، ومركِّزةً كلَّ اهتمامها على قضايا التنمية المستدامة في جميع أنشتطها وشراكاتها الفعَّالة.

وانطلاقًا من هذا الشمول -وانطلاقًا أيضًا من نظرتها العميقة إلى جهود تحقيق أهداف التنمية المستدامة- لا تستثنى حماة الأرض من ذلك كله أركانَ الدين الإسلامي الحنيف؛ ذلك الدين القائم على ضرورة تحقيق أقصى معايير استدامة موارد الأرض. وعلى ذلك كانت جهودها في هذا المجال خيرَ شاهدٍ، فقد أطلقت في شهر رمضان الماضي سلسلة فيديوهات تحت عنوان “استديموا“، وفيها سلطت الضوء على مفاهيم التنمية المستدامة -اجتماعيًّا واقتصاديًّا وبيئيًّا- المستخلصة من آيات القرآن الكريم ونصوص السُّنة النبوية المطهرة.

ومن أشد أركان الإسلام تحقيقًا لتلك المعايير المستدامة نجد الحج -الركن الخامس من أركان الإسلام- الذي يجمع الناسَ من كل حدب وصوب. والحج هو العبادة التي تشتمل مناسكها على خطوات عديدة تستلزم من المسلمِ الحقِّ أنْ يراعي في تأديتها ضرورة الحفاظ على البيئة، مع تحقيق أقصى استفادة من موارد الأرض دون أنْ يستهلكها استهلاكًا مضرًّا بحقيقة كونه مستخلفًا فيها.

ومن أجل ذلك كله دعت الضرورة إلى استكشاف الغاية الكبرى من أداء فريضة الحج، ومدى التحول الأخضر الذي يمكن أنْ يحققه حجاج بيت الله الحرام، وأيضًا كيفية تحقيق مفهوم الحج الأخضر، وذلك ما تسلط عليه حماة الأرض الضوءَ في السطور القادمة؛ فتابعوا القراءة.

لماذا نحتاج إلى الحج الأخضر؟

إننا نشاهد في السنوات الأخيرة احترارًا عالميًّا متصاعدًا بمعدلات تُنذر بالخطر! وهذا ألقى بظلاله على جميع الممارسات البشرية، بخاصة المتعلقة منها بالصناعة، وجميع القطاعات التي ينبعث عنها الغازات الضارة التي تضيف إلى كوكب الأرض سحابةً من الأمراض والأوبئة؛ لذا يبرز هنا مفهوم الحج الأخضر، أملًا في تحقيق ممارسات مستدامة في قطاع عريض من أنشطة الإنسان.

وهذا المفهوم -مفهوم الحج الأخضر- يأتي في صورة مبادرة توعوية، تهدف إلى تعزيز الوعي البيئي بين حجاج بيت الله الحرام، ومساعدتهم على أداء مناسك الحج بصورة بيئية مسئولة، وبطريقة مستدامة تخدم الطبيعة والإنسان في آنٍ معًا؛ وهذا استنادًا إلى أنَّ ما يقارب من 3 ملايين مسلم يذهبون كل عام إلى الحج.

مفهوم الحج الأخضر

وإذنْ، فإنَّ تلك الأفواج البشرية التي تأتي من كل مكان في العالم قد يكون لسلوكياتها الاستهلاكية أثر واضح في البيئة؛ إذْ يمكن أنْ تتراكم نفايات لا حصر لها، وترتفع معدلات البصمة الكربونية على نحو خطير؛ ولذلك كله نرى هنا في حماة الأرض أنَّ حجاج بيت الله الحرام أمام فرصة واعدة لأداء دور ذي أهمية كبرى في التخفيف من حدِّة الأثر البيئي لجميع الممارسات التي تلازم شعائر فريضة الحج ومناسكها؛ ومِن ثَمَّ فنحن أمام رحلة تعبدية ذات تناغم بين مسئوليات الخلافة في الأرض ومتطلبات تحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ رغبةً في حاضر ومستقبل يساعدانِ الناس على القيام بأداء دورهم في الحفاظ على نعمة الأرض ومواردها.

دليل الحج الأخضر

إنَّ الحج -مثلما أشرنا من قبل- ليس شعائر تُؤدى؛ فهو رحلة إيمانية فيها يقوم المسلم بتزكية نفسه، وتهذيب سلوكه، وتربية وجدانه، وذلك كله وفق قِيم التضامن والتكافل التي يحب أنْ يراها الله في سلوكيات عباده. وليس السلوك البيئي بعيدًا عن مثل هذه السلوكيات؛ أي أنَّ الحاج الواعي يعكس بسلوكه البيئي إيمانه الراسخ من خلال الحفاظ على نعمة الماء والهواء.

ولذلك تأتي فكرة تقديم ما يمكن أنْ نطلق عليه دليل الحج الأخضر، الذي يمكننا به أنْ نشير إلى ممارسات مسئولة تساعد حجاج بيت الله الحرام على أداء مناسكهم في أثناء موسم الحج بصورة تكون امتدادًا روحيًّا لرحلتهم إلى الكعبة المشرفة وجميع أماكن الحرم.

كيف تكون رحلة الحج خضراء

ومِن هنا سوف نقدم إليكم في السطور الآتية بعضًا من النصائح وعددًا من الخطوات التي يمكنها مساعدة حجاج بيت الله الحرام على تحقيق أهداف الحج الأخضر، بما يحقق الغاية الكبرى من أداء فريضة الحج؛ ألَا وهي الالتزام بما أمر الله به من الإصلاح في الأرض وعدم الإفساد فيها. وأمَّا خطوات الحج الأخضر فهي:

التقليل من البلاستيك

على حجاج بيت الله الحرام استخدام قارورة ماء قابلة لإعادة الاستخدام، دون أنْ يستخدموا الأكياس البلاستيكية وكل ما هو مصنوع من هذه المادة الخطيرة؛ حتى يمكنهم تقليل النفايات التي تنتشر في المشاعر المقدسة.

إلقاء النفايات في صناديقها المخصصة

رمي النفايات في غير أماكنها ليس خروجًا عن الآداب العامة وأخلاق الإسلام فحسبُ، وإنما هذا سلوك ضار بالبيئة، ويُعرِّض الآخرين للخطر.

ترشيد الاستهلاك

إنَّ موارد الماء والطاقة نعمة من نِعم الله -سبحانه- وإذا كان حجاج بيت الله الحرام بتلك الكثرة وذلك العدد الكبير فإنه لازم علَى مَن يحج أنْ يستخدم هذه الموارد بمسئولية مطلقة؛ كي لا يتحول الأمر إلى كارثة تضر بالأجيال الحالية والأجيال القادمة.

عليكم بوسائل النقل المستدام

قد يكون الأمر هنا محتاج إلى تفصيل، ذلك لأنَّ للنقل المستدام صورًا متعددة، فقد يتحقق من خلال تقليل عدد المركبات والاعتماد على النقل الجماعي؛ فكلما زاد عدد المركبات زادت معدلات الانبعاثات الضارة. وأيضًا يمكننا استخدام الحافلات التي تسير بالطاقة المتجددة، وهو مجال واسع قدَّم فيه العلم طرقًا مبتكرة في السنوات الأخيرة.

مشروعات خضراء في بيت الله الحرام

تتسارع جهود تحقيق أهداف التنمية المستدامة يومًا بعد آخرَ، ولم تقف المملكة العربية السعودية أمام هذه الجهود العالمية والإقليمية وقفةَ المشاهد، فقد أسهمت بمشروعات بيئية خضراء في تحقيق الحج الأخضر. ومن بين مشروعاتها الخضراء لخدمة ومساعدة حجاج بيت الله الحرام بشكل مستدام: مشروع المخيم الأخضر، الذي انطلق منذ عام 2010 بإشراف من “معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة” التابع لجامعة أم القرى؛ لتقليل التأثيرات البيئية للمخيمات في مشعر مِنى، عبر تطوير إدارة النفايات الصلبة، ورفع مستوى الإصحاح البيئي.

وقد بدأت التجربة بفرز النفايات إلى نوعين بلاستيكي وغير بلاستيكي؛ محقِّقًا بذلك نتائج إيجابية لافتة، حيث شمل:

  • تقليل كمية النفايات المتولدة في المخيمات.
  • إعادة تدوير النفايات.
  • تنفيذ حملات توعية بيئية للحجاج.
  • مكافحة انتقال العدوى من خلال مبادرات توعوية، مثل غسل اليدين، واستخدام منظفات صديقة للبيئة.
  • ترشيد استهلاك المياه، وتقديم وجبات غذائية صحية.

مشروعات خضراء في بيت الله الحرام

إنَّ دليل الحج الأخضر فرصة مهمة لتعزيز الاستدامة في نشاط مهم من أنشطة الإنسان، حيث يمكن من خلال أداء فريضة الحج أنْ نستخلص مبادئَ التنمية المستدامة من جوهر الدين الإسلامي، ونعزز جهود تحقيقها في الواقع؛ فيكون هناك انسجام تام بين عبادة الإنسان لربه ومسئوليات استخلافه في الأرض.

وعلى ذلك لا نجد في الختام إلَّا أنْ نقول إنَّ حماة الأرض تنظر بشمولية إلى جميع أبعاد التنمية المستدامة، وتعمل على نشر الوعي بكل قضاياها بين مختلف فئات المجتمع؛ أملًا في تعزيز مظاهر الاستدامة، ورغبةً في الانتقال العادل إلى حياة خضراء في شتَّى المجالات والقطاعات، وذلك وفق “رؤية مصر 2030”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى