استخدام مخلفات الزجاج في الخلطات الخرسانية
استخدام مخلفات الزجاج في الخلطات الخرسانية
في ظل التحديات البيئية المتزايدة والنمو المتسارع في قطاع البناء، تبرز الحاجَةُ إلى حلول مبتكرة، وأفكار واعدة يمكنها تقليل التأثيرات البيئية الضارة، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ لذا سوف تتناول حماة الأرض في هذا المقال تفاصيلَ ابتكار مهم في مجال صناعة الخرسانة، فتابعوا القراءة.
مخلفات الزجاج تحدٍّ
لا يخفى على أحد أنَّ مخلفات الزجاج مادة يصعب تحللها في الطبيعة، وهو ما تشير إليه إحصاءات برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، التي تقول إنَّ ملايين الأطنان من نفايات الزجاج تتراكم في البيئة من حولنا، وهو عبء بيئيّ يتزايد يومًا بعد يوم.
وذلك ما أكدته دولة مثل الهند، التي تُعدُّ واحدةً من كبرى الدول المنتجة للزجاج، حيث تعاني من معدلات إعادة تدوير منخفضة تصل إلى 45% فقط، وذلك ما دعا بعض الباحثين إلى إجراء دراسة -نشرها موقع “Science Direct”- تُظهر جدوى استخدام مخلفات الزجاج في خلطات الخرسانة بدلًا من الأسمنت.
مكونات هذا الابتكار
السؤال المهم هنا هو: كيف يمكننا خلط مخلفات الزجاج بالخرسانة؟ والإجابة عن هذا السؤال هي أنَّ هذا الأسلوب العلميّ المبتكر يقوم على طحن مخلفات الزجاج فتصبح مادةً بوزولانيةً بقُطر أقل من 75 ميكرومتر (المادة البوزولانية مادة تحتوي على أكاسيد السيليكون والألومنيوم، وتتميز بقدرتها على التفاعل مع هيدروكسيد الكالسيوم في وجود الماء؛ لتشكِّل مُركبات أسمنتية)؛ وحينها تصبح الخرسانةُ أشدَّ صلابةً.
ومِن الجدير بالذِّكْرِ، هو أنَّ الزجاج المطحون يُضاف إلى مكونات الخرسانة التقليدية -مثل الأسمنت والرمل والركام- بِنِسَبٍ مدروسة، ويُخلط المزيجُ جيدًا لضمان توزيع متجانس بعد الصبِّ، ثم تُعالَجُ الخرسانةُ بطرق مناسبة لضمان تفاعل الزجاج مع مكونات الخرسانة؛ مما يُحسِّن من خصائصها البيئية.
الفوائد والتحديات
إنَّ إدخال مخلفات الزجاج في الخرسانة التقليدية يحقق كثيرًا من الفوائد البيئية والتقنية؛ فقد أظهرت أبحاث أكاديمية عديدة أنَّ استخدام الزجاج -بدلًا من الأسمنت- في الخرسانة يساعد على الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن صناعة الأسمنت التي تُسبب تلوثًا شديدًا، بل هي أكثر الصناعات تلويثًا للبيئة.
وكذلك فإنَّ هذا النهج يقدم فرصًا مميزةً لتقليل النفايات من خلال إعادة تدويرها، وتحسين خصائص الخرسانة؛ الأمر الذي يمهد الطريق إلى تحقيق اقتصاد دائريّ، فضلًا عن أنَّ هذه الخرسانة المخلوطة بالزجاج تُقاوم التآكل البيئيّ، كما تتميز بقدرتها على تقليل امتصاص الماء؛ مما يمُدُّ من عمرها الافتراضيّ، وهو أمر يحدُّ من معدلات البصمة البيئية بصورة ملحوظة.
مع ذلك كله يظل أمام هذا الابتكار الواعد بعضُ التحديات، مِن أبرزها تفاعل مادة السيليكا القلوية (مادة موجودة في الرمل وفي معظم أنواع الزجاج، وهي من أكثر المعادن وفرةً في القشرة الأرضية)، وهي عقبة رئيسية عند استخدام الزجاج في صناعة الخرسانة؛ فعندما تتفاعل أيونات الهيدروكسيل في الأسمنت مع مادة السيليكا الموجودة في الزجاج -مع وجود الماء- تتشقق الخرسانة. وتكمن معالجة هذه المشكلة في استخدام الزجاج بِنِسَبٍ دقيقةٍ، مع إدخال الرماد المتطاير باعتباره مادةً تكميليةً تساعد على ربط مكونات الخرسانة بعضها ببعض.
خلاصة القول، هو أنَّ مثل هذه الأفكار فرصة جيدة لتقديم مزيد من الإنجازات المستدامة على جميع المستويات، بما ضمن لنا حياةً صحيةً وبيئةً ذات موارد متوافرة لنا وللأجيال القادمة، وذلك كله جوهر أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر.