خطى مستدامة

الأتوبيس الترددي BRT في مصر.. نقلة نوعية في منظومة النقل

الأتوبيس الترددي BRT في مصر.. نقلة نوعية في منظومة النقل

في إطار خطة الدولة لتعزيز التنمية وبناء المدن المستدامة، يعد تطوير البنية التحتية من الأسس الضرورية لتحقيق هذه الأهداف؛ فمع تزايد التحديات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، تتوجه جهود الدول نحو تطوير شبكات نقل ذكية ومستدامة، تسهم في تحسين جودة الحياة وتحقيق العدالة في التنقل، وتدعم النمو الاقتصادي. ويشكل النقل الحضري جزءًا أساسيًّا من هذه الجهود؛ لكونه أحد المقومات الرئيسية في تطوير المدن المستدامة وتعزيز التنمية العمرانية.

وفي هذا السياق، تشهد مصر مرحلة جديدة من التطوير الحضري الذكي، حيث تمضي بخطى واثقة نحو بناء منظومة نقل مستدامة ومتقدمة تتكامل مع أهداف التنمية المستدامة وتحقق “رؤية مصر 2030”. ويُعد مشروع الأتوبيس الترددي “BRT” أحد أبرز المشروعات الوطنية التي تجسِّد هذا التحول؛ إذ يوفر وسيلة نقل كهربائية حديثة وسريعة وصديقة للبيئة، وتعزز الترابط بين مناطق القاهرة الكبرى.

وتستعرض حماة الأرض في السطور التالية أبرز ملامح المشروع وأبعاده الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، باعتباره نموذجًا عمليًّا للتحول نحو أنظمة نقل ذكية ومستدامة، ودليلًا على تطور التخطيط الحضري في مصر بما يتفق مع التزاماتها المناخية ومتطلبات العدالة الاجتماعية؛ فتابعوا القراءة.

الأتوبيس الترددي عبارة عن 14 محطة في الطريق الدائري

مواصفات مشروع BRT على الطريق الدائري

يمتد المشروع بطول 110 كيلومترات على الطريق الدائري حول القاهرة الكبرى، ويشمل 48 محطة موزعة على ثلاث مراحل تشغيلية، تبدأ الأولى منها من محطة أكاديمية الشرطة إلى تقاطع الطريق الدائري مع طريق الإسكندرية الزراعي بطول 35 كيلومترًا، وتتضمن 14 محطة تم تجهيزها بعناية لاستقبال الركاب وتشغيل 100 أتوبيس كهربائي منتَج محليًّا.

مشروع الأتوبيس الترددي فوق الطريق الدائري

ويمتاز الأتوبيس الترددي بأنه يعمل بالكهرباء ويتحرك في مسارات معزولة تمامًا عن المرور؛ مما يقلل من زمن التنقل، ويُسهم في تقليل الانبعاثات الناتجة عن احتراق الوقود الأحفوري. كما سيكون الفاصل الزمني بين كل أتوبيس وآخر نحو ثلاث دقائق في الظروف العادية، ويصل إلى دقيقة ونصف فقط خلال أوقات الذروة، بما يعادل 20 أتوبيسًا في الساعة، وهو أداء ينافس المترو من حيث الكفاءة والانسيابية.

أبعاد مشروع الأتوبيس الترددي

هذا المشروع يمثل بديلًا عمليًّا عن الميكروباص التقليدي الذي لطالما تسبب في اختناقات مرورية وتلوث بيئي، كما أنه يمهد الطريق إلى إعادة هيكلة منظومة النقل الجماعي في القاهرة الكبرى. ومن المقرر أنْ تتكامل محطات الأتوبيس الترددي مع وسائل النقل الأخرى، مثل مترو الأنفاق في الخط الأول، والقطار الكهربائي الخفيف “LRT” في محطة عدلي منصور، بالإضافة إلى مواقف السيرفيس والسوبر جيت؛ مما يسهم في بناء شبكة نقل حضرية مترابطة تواكب المعايير العالمية، وتلبي احتياجات المواطنين.

ومن ناحية البعد البيئي، يعتمد المشروع بشكل كامل على الطاقة الكهربائية، ويشمل إنشاء أربع محطات شحن رئيسية للحافلات، اثنتان منها في بداية الخطوط واثنتان في نهايتها؛ مما يسهم في ضمان استمرارية تشغيل الأتوبيسات طوال اليوم. بالإضافة إلى ذلك، تعمل الحكومة على إنشاء ساحات انتظار للسيارات الخاصة أسفل محطات الأتوبيس الترددي، وهو ما يتيح للمواطنين التنقل بسهولة ومرونة بين وسائل النقل المختلفة.

الأتوبيس الترددي له أبعاد بيئية واقتصادية

تحقيق أهداف التنمية المستدامة

وإلى جانب ما يقدمه المشروع من مزايا بيئية وتنظيمية، تأتي مرونة تسعير التذاكر باعتبارها خطوة داعمة للعدالة الاجتماعية؛ إذْ يُحتسب سعر التذكرة بناءً على عدد المحطات التي يقطعها الراكب؛ وهذا سوف يسهم في جعل الخدمة متاحة لجميع فئات المجتمع، ويشجِّع على استخدامها بدلًا من السيارات الخاصة ووسائل النقل غير الرسمية؛ وهو ما يقلل من الازدحام والانبعاثات.

وعند النظر إلى الصورة الكبرى، يتضح أنَّ مشروع الأتوبيس الترددي لا يُعد مجرد تطوير في وسائل النقل، وإنما هو نقطة تحول حقيقية نحو بناء مدن ذكية ومستدامة، تستجيب لتحديات المناخ والنمو الحضري وتُحقق العدالة في التنقل؛ فهو يمثل أحد النماذج العملية لتطبيق أهداف التنمية المستدامة في أرض الواقع -بخاصة الهدف رقم (11) مدن ومجتمعات محلية مستدامة- ويجمع بين الاعتبارات البيئية من خلال استخدام الطاقة النظيفة، والاعتبارات الاجتماعية عبر إتاحة خدمة ميسورة التكلفة، والاعتبارات الاقتصادية من حيث تقليل تكلفة التشغيل والتنفيذ مقارنة بالبدائل الأخرى.

الأتوبيس الترددي يحقق أهداف التنمية المستدامة

كما أنَّ مشروع الأتوبيس الترددي يسهم في تحقيق الهدف (9) “الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية”؛ مما يعكس الدور المتنامي للدولة المصرية في تبني حلول خضراء وذكية في قطاع النقل، في وقتٍ أصبحت فيه الحواضر الكبرى بحاجة ماسة إلى شبكات نقل فعالة تدعم النمو العمراني، وتُقلل من الانبعاثات الكربونية.

ومن هذا المنطلق تؤكد حماة الأرض التزامها بدورها في دعم هذه المشروعات التنموية، التي تسهم في تحسين جودة حياة المواطنين، انطلاقًا من إيمانها بأنَّ التحول إلى أنظمة نقل مستدامة ليس رفاهية، وإنما ضرورة ملحّة تفرضها تحديات الواقع، وركيزة أساسية لبناء مدن أكثر أمانًا ومرونة وقدرة على احتواء التغيرات المستقبلية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى