الدراجات الهوائية الحل الأمثل لمواجهة التلوث في المدن

الدراجات الهوائية الحل الأمثل لمواجهة التلوث في المدن
في المدن الحديثة المزدحمة، تتكدس السيارات وتزداد الضوضاء، ومعها يزداد تلوث الهواء تدريجيًّا حتى يصبح التنفس صعبًا ويؤثر بشكل مباشر في صحة الناس. هذا الواقع اليومي المزعج يمتد ليضع عبئًا إضافيًّا على الجميع في محاولتهم للوصول إلى أعمالهم أو منازلهم بأقل ضرر ممكن، ومع استمرار هذه الضغوط الحضرية وتزايد اختناقات المرور، تظهر الدراجة باعتبارها حلًّا عمليًّا بسيطًا؛ لأنها توفر متنفسًا من الازدحام وتقلل من الأثر البيئي وتكلفة التنقل.
وكذلك يُعد ركوب الدراجة تمرينًا بدنيًّا، بالإضافة إلى أنه فعل حضاري يعكس وعيًا جماعيًّا متزايدًا بضرورة إعادة التفكير في أنماط الحياة؛ فحين يختار المرء الدراجة بدلًا من السيارة، فإنه يعلن رفضه لأشكال التلوث، والزحام، والاعتماد الزائد على الطاقة الأحفورية؛ إنه قرار بسيط ذو دلالة كبيرة.
ومن هنا سوف تسلط حماة الأرض الضوء في هذا المقال على التحول الملحوظ نحو استخدام الدَّراجات باعتبارها وسيلة عملية لمواجهة تحديات النقل والتلوث، وتستعرض كيف أصبحت الدراجة أداة فعالة تجمع بين الصحة العامة، وحماية البيئة، من أجل تحقيق التنمية المستدامة، وكيف تسهم في إعادة رسم ملامح المدن وتوفير حلول مستقبلية لمجتمعات أكثر صحة.
الدراجات بلا تلوث
في مجتمعات تعاني من ارتفاع معدلات الأمراض المزمنة، بات واضحًا أن الحلول الطبية وحدها لا تكفي؛ فلا يمكننا انتظار الدواء في حين ينهار نمط الحياة الصحي، وهنا تظهر الدراجة باعتبارها وسيلة وقائية من الطراز الأول، تعيد للجسم حركته الطبيعية، وتحفّز الدورة الدموية، وتخفف الضغط النفسي، وقد أكدت منظمة الصحة العالمية أن النشاط البدني المنتظم -مثل ركوب الدراجة- يقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب، والسكتة الدماغية، وبعض أنواع السرطان.
تتجلى أهمية الدراجة في شمولية فوائدها التي لا تقتصر على فئة عمرية محددة أو على من يملكون اشتراكات في الأندية الرياضية، وإنما تمتد لتشمل جميع فئات المجتمع دون استثناء؛ فهي تمثل وسيلة تنقل يومية لكل من الطفل المتجه إلى مدرسته، والعامل الذي ينتقل إلى مكان عمله، والمتقاعد الذي يبحث عن فرصة للاسترخاء والنشاط الصباحي؛ ومن ثم تبرز الدراجة باعتبارها خيارًا عمليًّا واقتصاديًّا وصحيًّا متاحًا للجميع، يعزز من جودة الحياة ويسهم في التنمية المستدامة.
ولعلنا في ظل أزمة كوفيد-19 قد أدركنا أهمية امتلاك بدائل آمنة ومستقلة عن وسائل النقل الجماعية المزدحمة، التي تشكل بيئة خصبة لانتشار الأمراض، وقد شهدت العديد من الدول ارتفاعًا ملحوظًا في إقبال المواطنين على استخدام الدراجات. ومن هذا المنطلق، ينبغي عدم إغفال هذه الدروس المستفادة، وإنما يجب العمل على تعزيزها من خلال تطوير البنية التحتية الخاصة بالدرَّاجات، وتوفير مسارات آمنة تضمن حماية مستخدميها من الحوادث؛ مما يسهم في دعم التحول نحو مجتمعات أكثر صحة واستدامة.
مدن صممت لتشجيع ركوب الدراجات
ولعل أحد أبرز مظاهر هذا التحول هو إعادة تصور المدن نفسها؛ إذ عادة ما يتم تصميم المدن لخدمة السيارات على حساب كل ما سواها، فيتم تقليص الأرصفة، وإزالة المساحات الخضراء، وتدهور جودة الهواء بسبب عوادم المركبات، غير أن حركة عالمية بدأت تنمو بهدوء في السنوات الأخيرة، تركز على إعادة صياغة مفهوم “الحياة الحضرية” من خلال تهيئة بيئة ملائمة لاستخدام الدراجاتِ الصغيرة. مدن مثل كوبنهاغن وأمستردام أصبحت الآن نموذجًا يحتذى به، حيث استثمرت بشكل كبير في إنشاء مسارات آمنة ومشجعة للدراجاتِ؛ مما شجع سكانها على اعتماد هذه الوسيلة.
وفي العالم العربي، بدأت بعض المدن في تبني هذا التحول؛ فعلى سبيل المثال، فازت مدينة العلا في المملكة العربية السعودية بجائزة “مدينة الدراجة العربية” لعام 2024، تقديرًا لاستثمارها في بنية تحتية للدراجاتِ، وموقعها الطبيعي الفريد، وقدرتها على استضافة الفعاليات العالمية. يُعد هذا الإنجاز مثالًا على كيف يمكن للمدن العربية أن تكون رائدة في تشجيع ثقافة ركوب الدراجاتِ وتحسين جودة الحياة.
ومن الجدير بالذكر أنه حين تُدمَج الدراجات في أنظمة النقل، لا يخف الازدحام فقط، وإنما تتحسن نوعية الهواء، وتقل الحوادث، وتنخفض تكاليف المعيشة؛ فهي معادلة تنموية متكاملة، حيث تتداخل عناصر البيئة، والصحة، والمساواة الاجتماعية، وقد أظهرت تجارب دولية أن كل دولار يُستثمر في البنية التحتية للدرَّاجات، يعود بعوائد مضاعفة على المدى الطويل، سواء في الاقتصاد أو في الصحة العامة.
اليوم العالمي للدراجات الهوائية يعزز النقل المستدام
وفي إطار التحول العالمي نحو التنقل المستدام، يخصص العالم يومَ 3 يونيو للاحتفال باليوم العالمي للدراجاتِ الهوائية الذي يحتفل فيه بالدراجة باعتبارها رمزًا للتنمية المستدامة والسلام والصحة والمساواة بخاصة الهدف (3) الصحة الجيدة والرفاه. وهذا الاحتفال لا يقتصر على كون الدراجة مجرد “آلة”، وإنما هو تقدير لفكرة أن المستقبل سيكون أكثر نظافة وبساطة ورحمة إذا قررنا المضي قدمًا مع حركة التغيير بدلًا من مقاومتها. وفي هذا السياق، تدعو الأمم المتحدة جميع الدول إلى دمج الدراجة في سياساتها العامة، وتوفير البنية التحتية اللازمة لاستخدامها، وتنظيم فعاليات مجتمعية تعزز ثقافة ركوب الدراجات.
ومن هذا المنطلق، تدعو حماة الأرض صناع القرار والمجتمعات المحلية إلى تبني هذا التحول بكل جدية، والعمل على دعم كل المبادرات التي تُسهل وصول الدراجة إلى كل بيت، ومدرسة، ومكان عمل؛ باعتبارها وسيلة نقل اقتصادية وصديقة للبيئة.




