متحف لكل العصور.. المتحف المصري الكبير يستعد ليكون أيقونة ثقافية عالمية

متحف لكل العصور.. المتحف المصري الكبير يستعد ليكون أيقونة ثقافية عالمية
منذ أكثر من عقدين، ينتظر العالم لحظة افتتاح المتحف المصري الكبير، المشروع الثقافي الأضخم في الشرق الأوسط، الذي يُعد ركيزة أساسية في استراتيجية الدولة المصرية لتطوير القطاع الثقافي وتعزيز السياحة المستدامة، حيث يأتي المتحف برؤية حديثة تسعى إلى تقديم التراث المصري القديم بأسلوب معاصر يواكب معايير العرض المتحفي العالمية ويراعي مبادئ الاستدامة في الإدارة والتشغيل.
ومع اكتمال الأعمال الإنشائية، وبدء التشغيل التجريبي لعدد من قاعاته، أعلنت الجهات المعنية في وقت سابق أن افتتاح المتحف المصري الكبير سيكون في الثالث من يوليو 2025، غير أن إعلانًا رسميًّا صدر في منتصف يونيو أعاد ترتيب المشهد، حيث أعلن رئيس مجلس الوزراء أن الافتتاح تأجل إلى موعد جديد.
في هذا المقال، ترصد حماة الأرض أبعاد هذا القرار وتأثيراته من مختلف الزوايا، وتستعرض تفاصيل الإعلان الرسمي عن التأجيل، ومبررات التأجيل، والسياق الأوسع الذي ارتبط به، وذلك ضمن رؤية شاملة تربط هذا المشروع الحضاري بمفاهيم التنمية المستدامة، والهوية، والاستثمار الثقافي الطويل الأجل؛ فتابعوا القراءة.
التشغيل التجريبي للمتحف
منذ أكتوبر 2024، بدأ المتحف المصري الكبير مرحلة تشغيل تجريبي، تم خلالها فتح 12 قاعة أمام الزوار، من بينها قاعة المدخل الكبرى التي تحتضن تمثال رمسيس الثاني، في خطوة تهدف إلى اختبار الأنظمة التشغيلية وتقييم تجربة الجمهور قبل الموعد الرسمي للافتتاح، وقد ساعد هذا التشغيل المرحلي على رصد ملاحظات الزوار، وتحديث الإجراءات التقنية والإدارية بما يضمن أعلى مستويات الكفاءة والاستعداد.
وقد أكد القائمون على المشروع أنَّ هذه المرحلة تتيح تحسين نظم الإضاءة والتهوية والأمن والتوجيه، مع استكمال تجهيز القاعات الكبرى، وعلى رأسها قاعة توت عنخ آمون، والمركب الشمسي، ومقتنيات العصر الذهبي، حيث يُعد التشغيل التجريبي ممارسة تنظيمية ضرورية لاختبار استجابة الأنظمة وتقليل الهدر ورفع رضا المستخدم، وهو ما يعكس التزام المشروع بتقديم تجربة ثقافية متكاملة ومستدامة تراعي الأثر بعيد المدى.
لماذا تم تأجيل افتتاح المتحف المصري الكبير؟
مع تقدم هذه المرحلة التشغيلية بنجاح، كان من المنتظر أن تتوج بالافتتاح الرسمي الذي كان من المقرر أن يكون يوم الخميس 3 يوليو 2025، غير أن تصاعد الأزمات الإقليمية والدولية استدعت إعادة النظر في توقيت هذا الحدث المرتقب، وأدت إلى إعلان الحكومة المصرية في 14 يونيو 2025 تأجيل الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير، إلى الربع الأخير من العام نفسه، ولم تُعلن الحكومة حتى الآن تاريخًا محددًا للافتتاح.
وجاء القرار على لسان الدكتور/ مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، خلال اجتماع موسع ضم الدكتور/ أحمد عيسى، وزير السياحة والآثار، والفريق/ كامل الوزير، وزير الصناعة والنقل، حيث تم تأكيد أنَّ “الظروف الحالية تقتضي الانتظار حتى يمكن تنظيم احتفالية تليق بمكانة مصر وحضارتها”، مشيرًا إلى أنَّ الحدث يستحق أن يُعقد في أجواء أكثر استقرارًا، تضمن مشاركة دولية واسعة، واستفادة سياحية وتنموية كبرى.
ومن جانبه، أوضح السفير/ محمد الحمصاني، المتحدث باسم مجلس الوزراء، أن التأجيل لا يرتبط بوجود تهديدات أمنية مباشرة داخل البلاد، وإنما يُعزى إلى تصاعد التوترات في المنطقة، وهو الأمر الذي دفع الحكومة إلى تأجيل الافتتاح لتوفير مناخ دولي أكثر ملاءمة للمشاركة.
انعكاسات اقتصادية واجتماعية
لا شك أن توقيت الافتتاح في موسم الصيف كان ليحقق فوائد مباشرة على القطاع السياحي، من حيث زيادة أعداد الزوار، وإنعاش الفنادق والمطاعم والقطاعات المرتبطة بالسياحة الثقافية، إلا أن تأجيل الموعد لا يُفقد المشروع هذه المكاسب، وإنما يُعيد توزيعها على فترة أكثر نضجًا واستعدادًا.
ووفقًا لما أكدته وزارة السياحة والآثار، فإن قرار التأجيل جاء بهدف ضمان تنظيم حدث دولي يليق بمكانة مصر الحضارية، ويُحقق أثرًا ثقافيًّا وسياحيًّا واسع النطاق، من خلال التنسيق مع الجهات المعنية لتأمين مشاركة دولية رفيعة وتعزيز الترويج العالمي للمتحف، باعتباره أحد أبرز المشروعات الثقافية في القرن الحادي والعشرين.
افتتاح يراعي البيئة والهوية
وفي هذا السياق، تعمل وزارة السياحة والآثار بالتعاون مع جهاز المتحف والوزارات المعنية على استكمال المرافق والبنية التحتية المرتبطة بالافتتاح، ومنها ممرات المشاة، والمواقف، ونقاط الشحن الكهربائي، وشبكات النقل الصديقة للبيئة، كما يجري دمج معايير الاستدامة في التصميم والإضاءة والتهوية، بما يقلل البصمة الكربونية ويضمن التشغيل طويل الأجل بأدنى تكلفة بيئية.
وتشمل التحضيرات تعزيز الاتصال بين المتحف والمواقع السياحية المجاورة، وعلى رأسها منطقة الأهرامات، عبر وسائل نقل حديثة، بعضها يعمل بالكهرباء أو الطاقة النظيفة، في إطار خطة أكبر لربط السياحة الثقافية بالتحول المستدام، حيث يتجاوز المشروع دوره باعتباره مزار أثريًّا إلى أن يصبح مؤسسة ثقافية متكاملة، تمثل نموذجًا للممارسات البيئية الرشيدة، والتصميم الواعي بالتراث، والخدمة العامة القائمة على الكفاءة والمسئولية الاجتماعية.
وبناء على ما تقدم، تؤكد حماة الأرض أن تأجيل افتتاح المتحف المصري الكبير إلى الربع الأخير من عام 2025 قرار مدروس، ويعكس وعي الدولة بأن القيمة الحقيقية لمثل هذا الحدث تتجاوز لحظة الإعلان الرسمي؛ لتتجسد في التأثير المتراكم في المشهدين الثقافي والسياحي، فالمتحف -بما يمثله من استثمار حضاري واستراتيجي- لا يُختزل في موعد افتتاح، وإنما في الطريقة التي يُدار بها، والرسائل التي يوجِّهها للعالم عن قدرة مصر على ربط ماضيها العريق برؤيتها التنموية المعاصرة.




