صناعات مستدامة

الهيدروجين الأخضر.. استثمار رئيسيّ للانتقال إلى الطاقة النظيفة

الهيدروجينُ الأَخضَر استثمارٌ رئيسيٌّ للانتقالِ إلى الطاقةِ النظيفَة

الهيدروجين الأخضر.. استثمار رئيسيّ للانتقال إلى الطاقة النظيفة

يتردَّدُ على مَسامعِنا في الآونةِ الأخيرةِ مصطلح «الهيدروجين الأخضر» فما المقصودُ منه؟ وماذا يَعني؟ وكيف يتمُّ إنتاجُه؟ الهيدروجينُ الأخضرُ بِبَسَاطة، هوَ عنصرُ الهيدروجين الذي يتمُّ إنتاجُه بطريقةٍ صَديقةٍ للبِيئة، لذا يُطلَقُ عليه الأخضر.
الطريقةُ الشائعةُ حاليًا في إنتاجِ الهيدروجين الأخضرِ هي بتحليلِ جُزيئاتِ المياهِ كهربيًّا، حيثُ يتكونُ كلُّ جُزيْءِ ماءٍ منْ ذرةِ أكسجينِ وذرتيْنِ مِنَ الهيدروجين، وعندَ تحليلِ المياهِ يُنتَجُ الهيدروجينُ بالإضافةِ إلى غاز الأكسجين، وهي طريقةٌ صديقةٌ للبيئةِ بالمقارنةِ معَ الطرقِ التقليديَّةِ التي تستخرجُ الهيدروجين مِنَ الغازِ الطبيعي.
يتمُّ استخدامُ عنصرِ الهيدروجين بالفعلِ في العديدِ مِنَ الصناعاتِ والتطبيقات، مثلَ صناعةِ الأسمنت، وصناعة الصلب وغيرِها، لذَا فإذا جعلْنَا صناعةَ الهيدروجين خضراء، فإنَّها ستُؤثرُ بالإيجابِ على عددٍ كبيرٍ من الصناعاتِ الأخرى. أحدُ المجَالاتِ الحيويةِ الأخرى لاستخدامِ الهيدروجين هي توليدُ الطاقةِ عن طريقِ حرقِه معَ الأكسجين، وهو ما يُعطي كمياتٍ كبيرةً من الطاقةِ تصلُ إلى ثلاثةِ أضعافِ الوَقودِ الأُحفوري، ولكن دونَ وجودِ أيِّ انبعاثاتٍ كربونية.
يَتمُّ إنتاجُ الهيدروجينِ الأخضرِ بِاستخدامِ الكهرباءِ المُولدةِ منْ مصادرِ الطاقةِ المُتجددَة، حيثُ تَقومُ هذهِ المَصادرُ بتوفيرِ الكهرباءِ اللازمةِ لعمليةِ التحليلِ الكهربي للمِياه، والتي تُقسِّمُ جُزيئاتِ الماءِ إلى عناصرِها الأوَّليَّةِ (هيدروجين وأكسجين)، هذهِ الطريقةُ التي يُنظرُ إليها حاليًا كأحدِ الحُلولِ الواعدةِ للمُساعدَةِ في تلبيَّةِ الطلبِ العالميِّ على الطاقةِ معَ المُساهمةِ في تحقيقِ أهدافِ العملِ المُناخي.

الهيدروجين الأخضر بينَ الحاضرِ والمُستقبَل

بَلغَ الطلبُ على الهيدروجينِ مَا يُقدَّرُ بنحوِ «87 مليون» طنٍّ متري (MT) في عامِ 2020، ومِنَ المُتوقعِ أنْ يَنمُوَ هذا المُعدَّلُ إلى «500-680 مليون» طنٍّ متري بحُلولِ عام 2050. منْ عامِ 2020 إلى عامِ 2021، بلغَتْ قِيمةُ سوقِ إنتاجِ الهيدروجينِ «130 مليار» دولار، ومِنَ المتوقعِ أن ينموَ بنسبةٍ تصلُ إلى 9.2٪ سنويًّا حتى عامِ 2030.
ولكنْ هناكَ مُشكلة: أكثرُ منْ 95٪ منْ إنتاجِ الهيدروجينِ الحالي يَعتمدُ على الوقودِ الأحفوري، والقليلُ جدًّا منه يُمكنُ أن نَصِفَهُ حقًّا بـ «الأخضر»، حيثُ تُشيرُ الأرقامُ إلى أنَّه يتمَّ استهلاكُ 6٪ مِنَ الغازِ الطبيعيِّ العالمي، و2٪ مِنَ الفحمِ العالميِّ في أغراضِ إنتاجِ الهيدروجينِ للصناعاتِ المُختلفة.
ومعَ ذلك، فإنَّ تِقنيَّاتِ إنتاجِ الهيدروجينِ الخضراءِ تَشهدُ مَوجةً متجددةً مِنَ الاهتمامِ العالمي؛ وذلكَ لأنَّ الاستخداماتِ المُحتملةَ للهيدروجينِ تتوسَّعُ عبرَ قطاعاتٍ متعددة، بما في ذلك توليدُ الطاقة، وعملياتُ التصنيعِ في صناعاتٍ مثلَ: صناعةُ الصلب، وإنتاجُ الأسمنت، وخلايَا الوقودِ للمركباتِ الكهربائية، والنقلُ الثقيل، وإنتاجُ الأمونيا الخضراءِ للأسمدةِ، ومنتجاتُ التنظيفِ والتبريد، وغيرُها مِنَ الاستخدامات.
علاوةً على ذلك، أدَّى انخفاضُ أسعارِ الطاقةِ المتجددَة، إلى جانبِ انخفاضِ تكلفةِ المُحللاتِ الكهربائية (المستخدمَةُ في تحليلِ جُزيئاتِ المياه) وزيادةِ الكفاءة؛ بسببِ التَّحسيناتِ التكنولوجيَّة، إلى زيادةِ الجدوَى التجاريةِ لإنتاجِ الهيدروجينِ الأخضر.

مَا بينَ الوقودِ الأخضرِ والوقودِ الأُحفوري

وَفقًا لمؤسسة «بلومبيرج لأبحاث الطاقة الجديدة»، إذَا استمرَّتْ هذهِ التكاليفُ في الانخفاض، يُمكنُ إنتاجُ الهيدروجين الأخضر مقابل «0.70 دولار إلى 1.60 دولار للكيلوجرام» في معظمِ أنحاءِ العالمِ بحُلولِ عام 2050، وهو سعرٌ مُنافِسٌ للغازِ الطبيعي. على جانبٍ آخر، تتوقَّعُ «شركة NEL النرويجية» أكبرَ مُنتجٍ ومصنعٍ للمحللاتِ الكهربائيةِ في العالمِ أنَّه يمكنُ تحقيقُ التكافؤِ في تكلفةِ إنتاجِ الهيدروجين الأخضر (أو حتى التفوق) معَ الوقودِ الأُحفوريِّ في وقتٍ مُبكرٍ منْ عام 2025.
بالنظرِ إلى هذا النموِ الكبيرِ في الطلب، فإنَّ حجمَ الطاقةِ المُدخلةِ المَطلوبة («22000 تيراواط ساعة» مِنَ الكهرباءِ الخضراءِ لإنتاجِ «500 مليون» طنٍّ مِنَ الهيدروجين الأخضر سنويًّا)، والمقارناتُ بينَ سلسلةِ قيمةِ الهيدروجينِ وسلسلةِ قيمةِ الوقودِ الأُحفوري، فإنَّ الأرقامَ تُشيرُ إلى أنَّ صناعةَ الهيدروجين الأخضر يجبُ أن تَجتذبَ الاستثماراتِ لكونِها تحملُ العديدَ مِنَ المَزايا سواءً الاقتصادية أو البِيئية.

الهيدروجين الأخضر
ومعَ ذلك، وحتى الآن، لم يتمَّ طرحُ سوى عددٍ قليلٍ منْ مشاريعِ الهيدروجين الأخضر بنجاحٍ في السوقِ على المستوى العالمي، حيثُ إنَّ معظمَ مشاريعِ الهيدروجين الأخضر سواءً أكانَتْ قيدَ الإنشاءِ أوِ التشغيلَ لا تَزالُ في مرحلةِ الإنتاجِ غيرِ التجاري، معَ قدرةٍ محدودةٍ للمحللاتِ الكهربيةِ المُستخدمة «عادةً أقلُّ منْ 50 ميجاوات». بينمَا تبلغُ قدرةُ بعضِ المحطاتِ المُقترحَة «100 ميجاواط أو أكثر»، إلَّا إنَّها تظلُّ صغيرةً مُقارنةً معَ خياراتِ الوقودِ الأحفوري. بالإضافةِ إلى ذلك، تُقدِّمُ مشاريعُ الهيدروجين الأخضر خصائصَ ومخاطرَ أخرى تتحدَّى التمويلَ التقليديَّ للمَشاريعِ مَا بينَ البحثِ والتطوير، آلياتُ التخزين، وطرقُ النقلِ إلى المُستخدمينَ النهائيِين، إلى غير ذلك من التحديات.

الدمجُ بينَ الطاقةِ المُتجددةِ وصناعةِ الهيدروجين

في الاجتماعِ الأخيرِ للمجلسِ الاستشاريِّ للمرفقِ العالميِّ للبِنية التحتيَّة (GIF)، اتفقَ أعضاءُ اللجنةِ على أنَّ مزجَ رأسِ المالِ العامِّ والخاصِّ يمكنُ أن يجعلَ مشاريعَ الهيدروجينِ قابلةً للتمويلِ وقابلةً للتطبيقِ مِنَ الناحيةِ التجارية، ولكنَّ هناكَ بعضَ العواملِ التي يجبُ أخذُها في الاعتبار.
تتمثَّلُ إحدى طرقِ نجاحِ هذهِ المشاريعِ في تحديدِ مَواقعِ مُنشآتِ إنتاجِ الطاقةِ المتجددةِ؛ ليتمَّ بناءُ منشآتِ إنتاجِ الهيدروجينِ إلى جانبِها أوْ بالقُربِ منها؛ حتى تكونَ عمليةُ الدمجِ بينَ الطاقةِ المتجددةِ ومصانعِ الهيدروجينِ مُمكنةً بشكلٍ أفضل، ولعلَّ منْ أبرزِ الأمثلةِ على ذلك، هوَ النهجُ المُتبعُ في بورتولانو بإسبانيا، حيثُ إنَّها موطنٌ لكلّ منْ مزرعةٍ شمسيةٍ بقُدرة «100 ميجاوات» إلى جانبِ أكبرِ منشأةٍ في أوروبا لإنتاجِ هيدروجينٍ صديقٍ للبيئةِ للاستخدامِ الصناعي.
تحتاجُ الحكوماتُ أيضًا إلى إنشاءِ أُطرٍ سياسيةٍ وتنظيميةٍ تُحفِّزُ على الاستثمارِ في الهيدروجينِ الأخضر، ومنْ ناحيةٍ أخرى، تحتاجُ الحكوماتُ إلى بناءِ القُدراتِ وتَلقِّي المُساعدةِ التِّقنيَّةِ والفنيَّة، لا سِيَّما في الأسواقِ الناشئةِ والاقتصاداتِ النَّامية، حيثُ تُمثلُ هذهِ العناصرُ رُكنًا أساسيًّا لتطويرِ وتبنِّي صناعةِ الهيدروجينِ الأخضر.
علاوةً على ذلك، فهناكَ حاجةٌ إلى تعريفٍ مُتفَقٍ عليهِ عالميًّا للهيدروجينِ الأخضر، وبيانُ طُرقٍ لضمانِ واعتمادِ المؤسساتِ المُنتِجَةِ لَه، ومِنَ الأهميةِ أيضًا، أن نُشيرَ إلى أنَّ الحاجةَ إلى مُساعدةِ العُمالِ على تطويرِ المَهاراتِ التي يَحتاجونَ إليها لهذهِ الصناعةِ الناشئةِ تُعدُّ أمرًا حاسمًا لا سيَّما في ضَوءِ الأَجندةِ العالميَّةِ لِلانتقالِ العادلِ إلى الطاقةِ النظيفة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى