خطى مستدامة

اليوم الدولي للتعليم حراك عالمي من أجل مستقبل مستدام

اليوم الدولي للتعليم حراك عالمي من أجل مستقبل مستدام

في 24 يناير من كل عام، يحتفل العالم باليوم الدولي للتعليم، وذلك بناءً على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 3 ديسمبر 2018، الذي أعلن هذا التاريخ يومًا دوليًّا للتعليم؛ احتفاءً بالدور الحيوي الذي يؤديه التعليم في تعزيز السلام والتنمية والمساواة في جميع أنحاء العالم.

لذا نظَّمتِ اليونسكو في اليومين الماضيين فعاليةَ الاحتفال باليوم الدولي للتعليم في مقرها بباريس تحت شعار “الذكاء الاصطناعي والتعليم”. وحول ذلك اليوم العالميّ ستتعمق حماة الأرض في البحث عن حلول مبتكرة للتحديات البيئية والتعليمية التي تواجهها المجتمعات، مع التركيز على دور التعليم في بناء مستقبل مستدام، وتتأمل كيف يمكن لمصر الاستفادة من هذه التجربة؛ لتعزيز قطاع التعليم وجعله أكثر استدامةً.

المشهد التعليمي العالمي في عام 2025

يُعد التعليم حقًّا أساسيًّا لكل إنسان، كما نصت عليه المادة (26) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يدعو إلى توفير التعليم مجانًا، على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية، على أنْ يكون التعليم الابتدائي إلزاميًّا، وتؤكد اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 -بالإضافة إلى ما سبق- ضرورةَ إتاحة التعليم العالي للجميع.

ويظل التعليم حجر الزاوية في تحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030، وفي إطار هذه الرؤية تشير الإحصاءات إلى أن هناك حوالي 244 مليون طفل ومراهق حول العالم خارج المدارس، وأن 617 مليون طفل ومراهق لا يستطيعون القراءة أو إجراء العمليات الحسابية الأساسية، فضلًا عن 763 مليون إنسان بالغ أُميٍّ.

وهذه الأرقام تسلط الضوء على التحديات الكبيرة التي تقف عائقًا أمام تحقيق أهداف التنمية المستدامة، التي من بينها ضمان التعليم الجيد والمنصف والشامل، وتعزيز فرص التعلُّم مدى الحياة للجميع بحلول عام 2030.

وفي هذا السياق، تؤكد منظمة اليونسكو على ضرورة الاستثمار في التعليم، باعتباره وسيلةً لتعزيز القدرات البشرية، مشددةً على أهمية تحويل الالتزامات والمبادرات العالمية إلى أفعال ملموسة، كما تدعو إلى تعزيز آليات الوقاية، وحماية الفئات المهمشة، وضمان الوصول إلى التعليم الجيد والشامل للجميع؛ لكونها شرطًا أساسيًّا في جهود تحقيق السلام والتنمية المستدامة.

الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين

يدعونا اليوم الدولي للتعليم في هذا العام إلى التفكير في الكيفية التي يمكن بها للذكاء الاصطناعي أن يُحدِث ثورة في التعليم؛ لأنَّ تقنيات الذكاء الاصطناعي تفتح آفاقًا جديدةً لتحسين نظم التعليم، ومع هذا تثير تساؤلات حول كيفية الحفاظ على الدور البشري في عملية التعلم؛ لذا نناقش في السطور الآتية الفرص التي يتيحها لنا الذكاء الاصطناعي، وكيف يمكننا تسخير إمكاناته الهائلة؛ من أجل تحقيق تقدم ملموس في مجال التعليم.

يمكن استغلال الذكاء الاصطناعي في نظام التعليم المخصص، وهو نموذج تعليمي يهدف إلى تلبية الاحتياجات الفردية لكل متعلم من خلال تخصيص المحتوى، الوسائل، والأهداف التعليمية بما يتناسب مع مستواه واهتماماته وطريقة تعلمه.

ذلك النوع من التعليم يركز على جعل التجربة التعليمية أكثر فعاليةً وتحفيزًا، حيث يحصل كل متعلم على مسار تعليمي خاص به يراعي نقاط قوته وضعفه. ويكون هذا من خلال الذكاء الاصطناعي الذي يتمتع بقدرة على تحليل بيانات المتعلمين، مثل الأداء الأكاديمي، الأنماط السلوكية، ونقاط القوة والضعف؛ لتقديم توصيات تعليمية مخصصة تساعد كل متعلم على تحقيق أهدافه.

كما تعمل خوارزميات الذكاء الاصطناعي على تصميم خطط تعليمية تناسب كل طالب بناءً على احتياجاته ومستواه؛ إذْ يمكن للمنصات التعليمية -على سبيل المثال- اقتراح وحدات دراسية أو أنشطة تفاعلية محددة لكل متعلم.

وعن طريق استخدام تقنيات مثل تطبيقات الترجمة والمكتبات الرقمية وروبوتات المحادثة Chatbots، يمكن للمتعلمين الحصول على إجابات فورية عن أسئلتهم، ثم مساعدتهم على معالجة المشكلات التعليمية في أي وقت. وهذا بالإضافة إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكنه التعامل مع المهام الإدارية، مما يسمح للمعلمين بالتركيز على التدريس والتوجيه.

ولكن التبني السريع للذكاء الاصطناعي يطرح تحديات أيضًا، إذ تهدد نظمُ التشغيل الآلية بتهميش دور المعلمين، كما أنَّ هناك حاجة ملحة لمعالجة المخاوف الأخلاقية، مثل خصوصية البيانات، والتحيز الخوارزميّ، والوصول العادل إلى الأدوات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي.

تعزيز التعليم المخصص

يمكن أن يؤدي الذكاء الاصطناعي دورًا محوريًّا في سد الفجوات التعليمية، وتحقيق التعليم المخصص الذي يلبي احتياجات كل طالب على حدة. على سبيل المثال، يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي تصميم منصات تعليمية مخصصة تقدم محتوى تعليميًّا يتوافق مع قدرات واحتياجات كل متعلم؛ مما يسهم في تحسين تجربة التعلم ونتائجها، خاصة في المناطق الريفية، حيث الموارد التعليمية قليلة.

وهناك أيضًا تدريب المعلمين، الذي يُعد مجالًا آخرَ يمكن أنْ يستفيد من الذكاء الاصطناعي، حيث يمكن تطوير برامج تدريب مخصصة تقدم ملاحظات فورية للمعلمين؛ لمساعدتهم على تحسين أدائهم. كما يمكن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتوفير تحليل شامل للأداء التعليمي، ومساعدة المدارس على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن تطوير المناهج والأساليب التدريسية.

الاستثمار في البنية التحتية الرقمية

لتحقيق أقصى استفادة من الذكاء الاصطناعي في التعليم، يجب إعطاء الأولوية لتطوير البنية التحتية الرقمية، ويشمل ذلك توسيع نطاق الاتصال بالإنترنت ليصل إلى المناطق النائية، وتجهيز المدارس بتقنيات حديثة، مثل السبورات الذكية، والأجهزة اللوحية.

أخلاقيات الذكاء الاصطناعي

يتطلب دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم وضع سياسات تضمن الامتثال للمعايير الأخلاقية، فيجب حماية بيانات الطلاب وخصوصيتهم، مع ضمان أن تكون خوارزميات الذكاء الاصطناعي خاليةً من التحيزات، التي قد تؤدي إلى عدم المساواة بين الطلاب، بالإضافة إلى ذلك، ينبغي وضع ضوابط لمنع استخدام الأتمتة بإفراط (الأتمتة مصطلح مأخوذ من الأصل الإنجليزيّ Automation، وهو مصطلح يُطلق على كل ما يعمل بطريقة آلية أو ذاتية دون تدخل البشر) على حساب التفاعل الإنساني؛ لضمان توازن صحي بين التكنولوجيا والدور التعليمي المرجوّ على جميع المستويات.

الشراكات بين القطاعين العام والخاص

التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص والمنظمات الدولية يمكن أن يؤدي دورًا مهمًّا في تسريع وتيرة الإصلاح التعليمي؛ إذْ يمكن لشركات القطاع الخاص العاملة في تكنولوجيا التعلُّم أنْ تسهم في توفير أدوات الذكاء الاصطناعي وبرامج التدريب، وكذلك يمكن أنْ تدعم المنظمات غير الحكومية المبادرات المجتمعية، التي تزيد من وعي المجتمع بأهمية التعليم التكنولوجي.

تعزيز ثقافة التعلم مدى الحياة

مع التطور السريع للذكاء الاصطناعي، يصبح التعلم المستمر ضرورة لا غنى عنها؛ لذا يمكن إنشاء مراكز متخصصة للتعلم مدى الحياة، وتقديم برامج لإعادة التدريب وصقل المهارات بما يتناسب مع متطلبات العصر الحديث. كما أن تعزيز تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات منذ أعمار مبكرة يمكن أن يُعِدَّ الأجيالَ القادمةَ لمهن تعتمد على الذكاء الاصطناعي؛ مما يفتح آفاقًا جديدةً للنمو والتطور.

ختامًا، يمثل الاحتفالُ باليوم الدولي للتعليم كلَّ عامٍ فرصةً لتأكيد دور التعليم في إحداث التحول المطلوب، لمواجهة تحديات العصر الرقميّ، وبما يضمن الحفاظ على الطابع الإنسانيّ للعملية التعليمية، وذلك كله يلبي متطلبات الحاضر وتطلعات المستقبل بصورة مستدامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى