مصر تتقدم في مؤشر أداء تغير المناخ لعام 2025
مصر تتقدم في مؤشر أداء تغير المناخ لعام 2025
تواجه دول العالم اليوم تحديات بيئية متزايدة تتطلب موازنة دقيقة بين تحقيق التنمية الاقتصادية والحفاظ على الموارد الطبيعية؛ فلم يعد النمو الاقتصادي هدفًا مطلوبًا دون غيره من الأهداف، وكذلك أصبح التقدم في مكافحة تغير المناخ مؤشرًا رئيسيًّا لنجاح الدول في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية متابعة أداء الدول في مؤشرات عالمية تعكس مدى التزامها بالتحول نحو اقتصاد أخضر ومستدام. وتعتبر هذه المؤشرات أداة مهمة لتقييم التقدم المحرز، وتحديد نقاط القوة والضعف في الأداء البيئي للدول؛ ومن هنا ستتناول حماة الأرض في هذا المقال التقدم الذي أحرزته مصر في مؤشر أداء تغير المناخ (Climate Change Performance Index) لعام 2025، مستعرضة العوامل التي أسهمت في تحقيق هذا الإنجاز؛ فتابعوا القراءة.
مصر تسير في الاتجاه الصحيح
في خطوة إيجابية تعكس الالتزام بالجهود المناخية العالمية، أحرزت مصر تقدمًا ملحوظًا في مؤشر أداء تغير المناخ “CCPI” لعام 2025، مما يعكس تحسنًا في توجهات السياسات البيئية والتنموية نحو مواجهة تغير المناخ، وقد جاء ذلك ضمن ما أشار إليه بيان رسمي صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وقد أوضح البيان تقدُّمَ مصر إلى المرتبة 20 ضمن مؤشر أداء تغير المناخ “CCPI” لعام 2025 من بين 67 دولة، بعد أنْ كانت في المرتبة 22 خلال عام 2024. وهذا التقدم يعكس تطورًا في السياسات المناخية وجهود خفض الانبعاثات الكربونية، وكذلك يضع مصر في موقع متقدم إقليميًّا، مقارنةً بدول مثل جنوب إفريقيا والجزائر.
ويعتمد مؤشر “CCPI” على أربعة محاور رئيسية تشمل: انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، واستخدام الطاقة المتجددة، وكفاءة الطاقة، والسياسات المناخية؛ وهي المجالات التي تقدمَّت فيها مصر إلى المركز العشرين على هذا المؤشر خلال عام 2025؛ ليكون الأمر إشارةً إيجابيةً إلى أنَّ الجهود الوطنية بدأت تُؤتي ثمارها.
وقد انعكست الاستثمارات في الطاقة النظيفة، وتوسيع شبكات النقل المستدام، وتعزيز التشريعات البيئية بشكل مباشر على الأداء المناخي للدولة؛ مما يضعها في مسار يسهم في تحقيق الهدف (13) من أهداف التنمية المستدامة، المتعلق باتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة تغير المناخ وآثاره.
ملامح تغير المناخ في مصر
وبالرغم من هذا التقدم الملموس في المؤشرات الدولية إلَّا إنَّ الأمر لا يغني عن ضرورة النظر بواقعية إلى الوضع البيئي الداخلي، وهو ما تكشفه البيانات المناخية التي أوردها البيان؛ إذ تشير الأرقام إلى تغيرات واضحة في أنماط المناخ داخل مصر؛ فقد سجّلت محطة رصد أسوان أعلى متوسط شهري لدرجة الحرارة العظمى خلال عام 2023، وبلغت 43.9 درجة مئوية في شهر أغسطس، كما بلغت درجة الحرارة الصغرى في محطة شرم الشيخ خلال الشهر نفسه 30.1 درجة مئوية، وبلغت نسبة الرطوبة في بورسعيد 77% في مايو، وهي الأعلى على مستوى الجمهورية خلال العام.
وإذنْ، تعكس هذه المؤشرات حقيقة أنَّ تغير المناخ لم يعد تهديدًا محتملًا، وإنما أصبح واقعًا ملموسًا يفرض نفسه على تفاصيل الحياة اليومية؛ فالارتفاع المستمر في درجات الحرارة والرطوبة قد يترك آثارًا سلبية مباشرة في الصحة العامة، وكفاءة النشاط الاقتصادي، وجودة الحياة في المدن الكبرى والمناطق الساحلية؛ مما يستدعي تعظيم جهود التكيف والحد من المخاطر على المستوى المحلي.
ظواهر مرتبطة بتغير المناخ عالميًّا
وعلى المستوى العالمي، يتضح أنَّ ما تشهده مصر من ظواهر جوية متطرفة ليس حالة معزولة، وإنما هي جزء من نمط عالمي آخذ في التصاعد؛ فقد أوضح البيان أنَّ التغيرات الحرارية أدت إلى احتفاظ الغلاف الجوي بمزيد من الرطوبة، وهو ما تسبب في تكرار العواصف والأمطار الغزيرة بشكل أكثر حدة.
وتشير البيانات إلى أنَّ عدد الكوارث المرتبطة بالفيضانات ارتفع بنسبة 134% منذ عام 2000 مقارنة بالعقدين السابقين، وسُجلت معظم الخسائر البشرية والاقتصادية الناتجة عنها في قارة آسيا. وفي المقابل شهدت حالات الجفاف على مستوى العالم ارتفاعًا بنسبة 29% خلال الفترة نفسها، وكانت إفريقيا هي المنطقة الأكثر تضررًا من حيث عدد الوفيات المرتبطة بهذه الظاهرة.
وكل هذه المعطيات تسلط الضوء على طبيعة تغير المناخ باعتباره قضية عالمية تتخطى الحدود، وتُحتم على الدول تعزيز تعاونها لمواجهة تداعياته المشتركة، من خلال بناء قدرات التنبؤ، والإنذار المبكر، والتخطيط طويل المدى، وتبادل الخبرات والمعلومات بين الدول، وتقديم الدعم الفني والمالي للدول الأكثر عرضة للخطر؛ لضمان استجابة منسقة وشاملة تُقلل من آثار هذه الكوارث.
وفي خضم هذه التحديات، يُظهر بيان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أنَّ مصر تسير في الاتجاه الصحيح من حيث الأداء المناخي العالمي، إلا إنَّ طبيعة الواقع المناخي الحالي -سواء داخل البلاد أو في محيطها الإقليمي والدولي- تفرض مواصلة العمل بكفاءة واستمرارية؛ فارتفاع درجات الحرارة، وزيادة نسب الرطوبة، والظواهر الجوية المتطرفة؛ كلها دلائل على أنَّ الطريق لا يزال طويلًا، ويتطلب إجراءات أكثر طموحًا.
ومن هذا المنطلق، تدرك حماة الأرض أنَّ استمرار التقدم في مؤشرات تغير المناخ يتطلب تعزيز نظم الرصد، وتوسيع نطاق التكيف، وبناء قدرات الاستجابة المجتمعية والمؤسسية؛ فمعركة التغير المناخي لم تعد خيارًا سياسيًّا أو بيئيًّا فحسب، وإنما مسئولية وطنية وإنسانية لتحقيق تنمية مستدامة تحمي كوكب الأرض، وتوفر مستقبلًا مستدامًا للأجيال القادمة.