خطى مستدامة

تنوع الثقافة مفتاح التنمية المستدامة وتحقيق السلام العالمي

الثقافة

تنوع الثقافة مفتاح التنمية المستدامة وتحقيق السلام العالمي

في مناطق متفرقة من العالم، تتخذ الثقافة أشكالًا متعددة تعبّر عن عمق التجربة الإنسانية؛ ففي أطراف آسيا، تُروى الحكايات مشافهة على ضوء القمر، وفي قلب إفريقيا تُنقل الذاكرة من جيل إلى آخر عبر الطبول والأغاني، وعلى أرصفة المدن الأوروبية، يعزف الفنانون نغمات تعبّر عن هويات متعددة، هكذا يعيش العالم بتنوعه، وهكذا تعد الثقافة لغة عالمية لا تحتاج إلى ترجمة.

ومن هذا المنطلق، يفرض الواقع سؤالًا جوهريًا: كيف نبني جسورًا تتجاوز الحدود، وتستند إلى قيم إنسانية مشتركة تعزز التفاهم والعيش المشترك؟ يكمن الجواب في الثقافة باعتبارها قوة ناعمة تتجلّى في الحكايات والأغاني والرموز والاحتفالات، وتحمل في طيّاتها ذاكرة الشعوب وروحها وتطلعاتها.

وفي هذا الإطار، تسلط حماة الأرض الضوء في هذا المقال على أهمية اليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية، الذي تحتفي به اليونسكو في 21 مايو من كل عام، مؤكدة على ارتباطه الوثيق بأهداف التنمية المستدامة، ودوره الحيوي في ترسيخ أسس السلام العالمي؛ فتابعوا القراءة.

دور الثقافة في تحقيق السلام والتنمية

لم تكن الثقافة يومًا ترفًا، بل كانت دائمًا حاجة إنسانية أساسية، تمثّل قاعدة راسخة لبناء السلام العادل وتحقيق التنمية المستدامة، وقد أدركت الشعوب والأمم هذه الحقيقة؛ فسعت إلى ترسيخ مكانة الثقافة في الحياة اليومية وفي السياسات العامة. من هنا جاء اليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية؛ ليكون دعوة سنوية للعالم لإعادة النظر في موقع الثقافة، والدور الحيوي الذي تؤديه، والفرص التي يمكن أن تنبثق عن احترام التنوع الثقافي والانفتاح على الآخر.

دور الثقافة في تحقيق السلام والتنمية

ففي الحادي والعشرين من مايو من كل عام، ترفع اليونسكو راية الثقافة على مستوى العالم للاحتفاء بالتنوع الثقافي وللتذكير بأن الحوار بين الحضارات هو الطريق الوحيد لضمان مستقبلٍ أكثر استقرارًا وعدلًا، حيث تُظهر بيانات الأمم المتحدة أن نحو 89٪ من النزاعات الراهنة في العالم تنشأ في بلدان تفتقر إلى الحوار بين الثقافات، وهو ما يجعل من هذا اليوم مناسبة ضرورية لتعزيز التواصل والتفاهم؛ إذ في غيابهما تصبح الأرض مهيأة للصراعات والانقسام.

وقد جاء اليوم العالمي للتنوع الثقافي ثمرة لإعلان اليونسكو العالمي للتنوع الثقافي عام 2001، وتبنّيه لاحقًا من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2002. وفي عام 2015، أكدت الأمم المتحدة من جديد أهمية الثقافة حين اعتمدت قرارًا يربط بينها وبين التنمية المستدامة بأبعادها الثلاثة، مشيرة إلى أن تنوع العالم -سواء أكان طبيعيًّا أو ثقافيًّا- يشكل عنصرًا أساسيًّا في مسار التنمية والتقدم.

إعلان تاريخي لتعزيز التنوع الثقافي

 في سبتمبر 2022 اجتمع أكثر من 150 وفدًا من حول العالم في المكسيك ضمن مؤتمر اليونسكو العالمي للسياسات الثقافية والتنمية المستدامة، وهو أكبر مؤتمر ثقافي خلال الأربعين عامًا الماضية، وقد نتج عنه “الإعلان التاريخي للثقافة”، الذي أعاد تعريف الثقافة على أنها منفعة عامة عالمية وليست شأنًا ثانويًّا.

جاء هذا الإعلان الدولي ليؤكد ضرورة إدماج الثقافة بوصفها هدفًا مستقلًا ضمن أجندة التنمية المستدامة 2030، مع التركيز على حماية حقوق الفنانين والمجتمعات الأصلية، وتنظيم المنصات الرقمية الكبرى بما يضمن التنوع والعدالة وسهولة الوصول إلى المحتوى الثقافي، إلى جانب صون التراث الثقافي والطبيعي وتعزيزه.

ومنذ اعتماد هذه الخطة، بات واضحًا أن تحقيق أهداف التنمية المستدامة لا يمكن أن يتم بمعزل عن الثقافة، نظرًا لتأثيرها العميق في مجالات التعليم، والمساواة، والصحة، والعمل المناخي؛ وهذا ما دفع منظمة اليونسكو إلى تطوير “مؤشرات الثقافة 2030” لتكون أداة علمية لتقييم الدور الحقيقي للثقافة في تحقيق التنمية الشاملة.

ومن الجدير بالذكر أن القطاع الثقافي والإبداعي -وفقًا لليونسكو- يستوعب أكثر من 48 مليون وظيفة حول العالم، نصفها تقريبًا تشغله النساء، كما يسهم بنسبة 3.1٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وقطاع الثقافة هو القطاع الأكثر احتواءً لفئة الشباب تحت سن الثلاثين، ما يجعله رافدًا استراتيجيًّا لمستقبل المجتمعات.

إعلان تاريخي لتعزيز التنوع الثقافي

ويلعب التنوع الثقافي دورًا محوريًا في دعم الإنتاج الاقتصادي، وتعزيز التماسك الاجتماعي، وبناء الهويات الإيجابية القائمة على التعدد والانفتاح، كما يرسّخ قيم التسامح ويغذّي روح التعايش؛ ولذلك فإنه أداة فاعلة لمحاربة الفقر بوسائل إبداعية، وآلية لتجديد المجتمعات من الداخل، وصياغة مستقبل يرتكز على العدالة والابتكار.

وتُذكّر هذه المناسبة بأهمية العمل وفق أربعة أهداف محورية لاتفاقية 2005 لحماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي، التي اعتمدتها منظمة اليونسكو، هذه الأهداف هي: دعم السياسات الثقافية المستدامة، وتسهيل حركة الفنانين والمحتوى الثقافي، ودمج الثقافة في السياسات العامة، وضمان حرية التعبير والإبداع، وهي أهداف تترجم القناعة الدولية بدور الثقافة في بناء مجتمعات أكثر شمولًا ومرونة.

وتدرك حماة الأرض أن اليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية يمثل فرصة لإعادة النظر في مكانة الثقافة ضمن أولويات العالم، وتجديد الاعتراف بدورها في مواجهة الأزمات، باعتبارها قوة ناعمة قادرة على تحفيز التغيير وبناء مستقبل أكثر عدلًا واستدامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى