شهادة تحالف الغابات المطيرة مفتاح لتحقيق الاستدامة
شهادة تحالف الغابات المطيرة مفتاح لتحقيق الاستدامة
في كل مرَّة تشتري فيها فنجان قهوة، أو قطعة شوكولاتة، أو حتى موزة، ربما تفكر في الرحلة التي قطعتْها هذه المنتجات قبل أنْ تصل إليك؟ وهل جاءت من مَزارع تراعي البيئة وتحمي حقوق العمال، أم كانت عن طريق تدمير الغابات واستغلال المجتمعات المحلية؟
ذلك التساؤل لأنه أصبح من الضروري أنْ نكون أكثر وعيًا بالمصادر التي تأتي منها منتجاتنا في عصر يتزايد فيه القلق بشأن تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي، وهذا هو دور شهادة تحالف الغابات المطيرة (Rainforest Alliance Certification)، التي تمثل خطوة رئيسية نحو تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والاستدامة البيئية.
ومِن هنا، سوف تتناول حماة الأرض في هذا المقال التأثير العميق لهذه الشهادة في الزراعة المستدامة، وعلاقتها الوثيقة بأهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة؛ فتابعوا قراءة المقال، واكتشفوا كيف يمكن لاختياركم اليومي أنْ يسهم في بناء مستقبل أكثر استدامة.
كيف بدأ الأمر؟
في البدء ينبغي لنا أنْ ندرك طبيعةَ الغابات المطيرة؛ فهي غابات تستقبل كميات كبيرة من الأمطار التي تهطل فوقها بشكل سنوي، ومن المحتمل أنْ تكون أقدم النظم البيئية الحية فوق كوكب الأرض، وكذلك هي غابات ذات غطاء نباتي وشجري شديد الكثافة، وغنية بالتنوع البيولوجي، حيث يعيش أكثر من نصف أنواع النباتات والحيوانات، على الرغم من أنها تغطي من 2% إلى 6% من سطح الأرض.
وتشغل الغابات المطيرة مساحات شاسعة في كثير من المناطق الجغرافية حول العالم؛ إذْ تنتشر في قارات العالم، باستثناء القارة القطبية الجنوبية، وعلى هذا يوجد أكبرُ هذه الغابات مساحةً حول نهر الأمازون في أمريكا الجنوبية، ونهر الكونغو في إفريقيا، حتى الغابات الصنوبرية المعتدلة في شمال غرب أمريكا الشمالية وفي شمال أوروبا تُعدُّ غابات مطيرة.
تلك الأهمية التي تعود إلى الغابات المطيرة تفرض على الإنسان ضرورة أنْ يقوم برعايتها والحفاظ على تنوعها البيولوجي؛ لأنَّ اختلال طبيعتها يؤدي -بالطبع- إلى مشكلات عديدة من بينها مشكلات التغير المناخي، التي تَحول دون تحقيق أهداف التنمية المستدامة في المجالات كافةً؛ لذا كانت هناك حاجَةٌ ماسَّةٌ إلى تنظيم هذه الأراضي الغنية، وحمايتها من كل تهديد بيئيّ.
ما شهادة تحالف الغابات المطيرة؟
تُمنح هذه الشهادة من قِبل منظمة تُعرف باسم تحالف الغابات المطيرة (Rainforest Alliance)، وهي منظمة دولية غير حكومية تعمل في ٧٠ دولة، وقد أسسها الناشط البيئي الأميركي الشهير “دانييل كاتز” عام 1987.
وهذه الشهادة واحدة من أبرز المعايير العالمية التي تضمن أنْ يتم إنتاج المنتجات الزراعية بطرق تراعي البيئة وجميع أبعاد التنمية المستدامة، حيث تمثل هذه الشهادة التزامًا صارمًا بحماية النظم البيئية، وتعزيز ظروف العمل العادلة، وضمان استدامة الموارد الطبيعية؛ مما يجعلها عنصرًا أساسيًّا في الجهود العالمية لحماية الكوكب.
ثم إنَّ الحصول على هذه الشهادة ليس إجراءً شكليًّا، وإنما عملية صارمة تتطلب من المَزارع والشركات الامتثال لمجموعة كبيرة من المعايير، وهو ما دعا التحالف في عام 2018 إلى الاندماج مع برنامج (UTZ Certified) المتخصص في الزراعة المستدامة عبْر العمل على تحقيق مجموعة من المعايير الاجتماعية والاشتراطات البيئية.
وقد أتاح هذا الاندماج تطويرَ معيار الزراعة المستدامة (SAS) في نسخته لعام 2020، وهو معيار يركز على تحسين دخل المزارعين، وتعزيز الشفافية في سلاسل التوريد، والحد من التأثير البيئي السلبي المرتبط بالأنشطة الزراعية.
فوائد الشهادة وآثارها
إنَّ تحقيق الزراعة مهم لضمان الأمن الغذائي، وحماية البيئة؛ لذا تؤدي شهادة تحالف الغابات المطيرة دورًا حيويًّا في تمكين المزارعين، خاصةً في الدول النامية، حيث تضمن حصولهم على أجور عادلة، وتوفر لهم التدريب اللازم لتبني أساليب زراعية أكثر استدامة، ويتوافق هذا مع الهدف رقم (1) من أهداف التنمية المستدامة “القضاء على الفقر”، حيث تساعد الممارسات العادلة على تحسين مستوى معيشة المزارعين وأُسرهم.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تساعد هذه الشهادةُ المزارعينَ على تبني تقنيات زراعية أكثر استدامة؛ وهذا يحدُّ من تأثير الجفاف والفيضانات، ويضمن إنتاجية مستقرة للمحاصيل في مواجهة التغيرات المناخية المتسارعة، وذلك كله يحقق الأمن الغذائي.
كما أنَّ حماية الغابات والتنوع البيولوجي من الأهداف الرئيسية لضمان استدامة البيئة، وهو ما تهدف إليه هذه الشهادة؛ إذْ إنَّ الغابات من أهم الثروات الطبيعية التي تدعم التوازن البيئي، وتوفر موطنًا لملايين الكائنات الحية، غير أنَّ إزالة الغابات بمعدلات غير مسبوقة أصبحت تهدد هذا التوازن؛ مما يجعل من الضروري اتخاذ إجراءات جادة لحمايتها، وذلك وفق الهدف (15) من أهداف التنمية المستدامة “الحياة في البر”.
ومن بين هذه الإجراءات ما قامت به المجتمعات الزراعية الشريكة لتحالف الغابات المطيرة في إندونيسيا، حيث زرعت 45,000 شجرةً من عام 2020 إلى 2021 في المناطق المجاورة لحديقة “بوكيت باريسان سيلاتان الوطنية”، بهدف استعادة النظام البيئي المحلي. كما حدد التحالف 80 مزرعة تقع في ممرات الحياة البرية التي يستخدمها أحد أنواع الأفيال المهددة بالانقراض الموجودة في سومطرة؛ مما ساعد على زراعة نباتات تتناسب مع النظام الغذائي لهذه الأفيال.
ومن أجل ذلك كله تؤكد حماة الأرض ضرورة تعزيز التعاون بين الأفراد والحكومات والمنظمات البيئية لحماية الموارد الطبيعية، وضمان استدامتها للأجيال القادمة؛ فالتكامل بين هذه الجهات يسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ويعمل على بناء عالم أكثر توازنًا وعدلًا.