أخبار الاستدامة

قمة نيروبي محطة لمستقبل التنقل النشط في إفريقيا

قمة نيروبي محطة لمستقبل التنقل النشط في إفريقيا

في ظل التوسع الحضري السريع في إفريقيا تزداد التحديات التي تواجه أنظمة النقل، حيث يعتمد ملايين السكان على المشي وركوب الدراجات وسط بنية تحتية غير ملائمة، في حين تتفاقم مشكلات الازدحام والتلوث والحوادث المرورية بسبب النمو المستمر في أعداد المركبات الآلية.

وفي إطار مواجهة هذه التحديات عُقدت القمة الاستراتيجية لخطة العمل الإفريقية للتنقل النشط في نيروبي، بهدف توحيد الرؤى حول أهمية التنقل النشط، وتعزيز التعاون بين الحكومات والشركاء لتطوير سياسات مستدامة تدعم وسائل التنقل الآمنة، وتستعرض حماة الأرض في هذا المقال أبرز محاور القمة، وتأثيرها المحتمل في مستقبل النقل الحضري داخل إفريقيا.

الشراكات الدولية

عُقدت أمس القمة الاستراتيجية لخطة العمل الإفريقية للتنقل النشط في نيروبي عاصمة كينيا، وتستمر فعالياتها حتى مساء اليوم -الثلاثاء- وهذا بمشاركة 30 جهة من كلٍّ من: وكالات الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، والبنوك التنموية متعددة الأطراف، والمنظمات الدولية غير الحكومية.

وتهدف القمة إلى تعزيز الفهم المشترك لأهمية خطة العمل الإفريقية، ووضع رؤية موحدة لدور خطة العمل الإفريقية في تشكيل مستقبل النقل الحضري في إفريقيا، كما تسعى القمة إلى تطوير حلول قابلة للتنفيذ مع تحديد الأدوار والشراكات ووضع خطة تنفيذية واضحة، بالإضافة إلى تسهيل التعاون وتبادل المعرفة بين الجهات المعنية.

التنقل النشط أسلوب مستدام

إنَّ أكثر من مليار إنسان حول العالم يعتمدون على المشي وركوب الدراجات باعتبارهما وسيلتين رئيسيتين للتنقل اليومي، وهم معرضون لأخطار جسيمة في الطرقات، حيث لا تتجاوز المساحات الآمنة المخصصة لهم 10% من إجمالي الطرق الحضرية بالرغم من عددهم الكبير.

وعلى الجانب الآخر تشهد المركبات الآلية نموًا سنويًّا بمعدل 6%، وهذا يسهم في تفاقم مشكلات الازدحام والتلوث وارتفاع معدلات الحوادث القاتلة، وعلى الرغم من وضوح الحاجة والحلول المتاحة لتحسين هذه الأوضاع، فإن حجم الاستثمارات وتحديد الأولويات لا يزالان بعيدين عن تلبية المتطلبات الضرورية لضمان سلامة وراحة مستخدمي التنقل النشط.

ولذلك برز مصطلح التنقل النشط، والمقصود به النشاط البدني المنتظم، الذي يتم القيام به باعتباره وسيلة للتنقل، ويشمل ذلك التنقل سيرًا على الأقدام أو بالدراجة أو بالمركبات الأخرى التي تتطلب جهدًا بدنيًّا للتحرك، ولا يشمل ذلك المشي أو ركوب الدراجات أو أي نشاط بدني آخر يتم القيام به لأغراض الترفيه.

ومِن هنا تُعد خطة العمل الإفريقية للتنقل النشط ثمرة جهود استمرت عامين، وشملت مشاورات مع أكثر من 1500 جهة معنية من حكومات وطنية ومحلية، ووكالات تنموية، وأكاديميين، ومنظمات غير حكومية، وممثلين عن المجتمع المدني، وتُعتبر هذه الخطة أول إطار عمل قاري يركز على تعزيز الاستثمار في التنقل النشط في العقد المقبل، وترتكز الخطة على ثلاثة محاور استراتيجية رئيسية، هي:

  1. السلامة عن طريق الحد من عدد الوفيات الناجم عن حوادث الطرق للمشاة وراكبي الدراجات.
  2. الدعوة إلى تعزيز أهمية التنقل النشط في السياسات العامة.
  3. التكامل السياسي عن طريق إدراج التنقل النشط في الاستراتيجيات الوطنية والإقليمية للنقل.

ما أهمية خطة العمل الإفريقية للتنقل النشط؟

تكتسب هذه الخطة أهمية كبيرة لدورها في تعزيز المشي وركوب الدراجات باعتبارهما وسيلتين فعّالتين لتحسين نمط الحياة الصحي، والحد من انتشار الأمراض المزمنة المرتبطة بقلة النشاط البدني، فضلًا عن إسهامها في تقليل الاعتماد على السيارات، مما يؤدي إلى خفض انبعاثات الكربون والحد من تلوث الهواء، ويدعم الجهود المبذولة للتصدي لتغير المَناخ وتحسين جودة البِيئة.

كما تعزز الخطة مبادئ العدالة وإمكانية الوصول؛ إذ تعتمد شريحة كبيرة من السكان -خاصة في المجتمعات ذات الدخل المنخفض- على التنقل النشط للوصول إلى أماكن العمل والتعليم والخدمات الصحية، ولا تقتصر الفوائد على الجوانب البيئية والاجتماعية، وإنما تمتد إلى الجانب الاقتصادي، حيث يسهم التنقل النشط في خفض تكاليف النقل، وتعزيز فرص العمل من خلال تطوير البنية التحتية الملائمة ودعم الصناعات المرتبطة بإنتاج الدراجات وتجهيزاتها.

خطوات التنفيذ

ومن المقرر تنفيذ الخطة في العام الجاري عبر ثلاث جهات رئيسية، هي: منظمة الصّحة العالمية، وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة. وستشمل خطط التنفيذ متابعة تقدم جميع الدول الإفريقية في تطبيق الخطة، وإنشاء مركز إلكتروني لتبادل الموارد والفرص بحلول منتصف 2025، كما ستُجرى مشاورات مع الوزراء لتحديد نقاط اتصال للمسئولين عن تنفيذ الخطة في كلٍّ من: وزارات النقل والبِيئة والصّحة والتخطيط الحضري. وستحظى خمس دول إفريقية -كينيا، والمغرب، والكاميرون، وغانا، وملاوي- بدعم خاص لتنفيذ الخطة بين عامي 2025 و2027، مع إمكانية توسيع هذا الدعم لدول أخرى إذا توفر التمويل الإضافي.

ومن المتوقع أن تسفر القمة عن توافق بين الجهات المعنية على ضرورة تعزيز التعاون السياسي مع الحكومات الوطنية والمحلية لإدراج التنقل النشط ضمن أولوياتها ودمجه في السياسات العامة، ويُنتظر تخصيص موارد مالية لدعم تطوير بنية تحتية آمنة للمشي وركوب الدراجات، إلى جانب الاتفاق على تكثيف الجهود لرفع مستوى الوعي، وتعزيز تبادل المعرفة والأدوات، مع تقديم دراسات حالة وتقييمات تأثير؛ مما سيوفر قاعدة معرفية تسهم في دعم الجهود المستقبلية لتحسين جودة الحياة.

إنَّ خطة العمل الإفريقية للتنقل النشط تمثل خطوة طموحة نحو مستقبل أكثر استدامة داخل القارة؛ فهي ليست مجرد إطار تنظيمي، بل رؤية شاملة لإعادة تشكيل المشهد الحضري، وجعل المدن أكثر ملاءمة للعيش. كما أنَّ الاستثمار في المشي وركوب الدراجات لا يسهم في تقليل الازدحام والتلوث فقط، وإنما يعزز الصّحة العامة، ويضمن وصولًا عادلًا إلى الفرص الاقتصادية والاجتماعية.

ومع اقتراب تنفيذ الخطة تدعو حماة الأرض إلى التزام الحكومات والشركاء الدوليين والمجتمعات المحلية بترجمة الأهداف إلى واقع ملموس؛ إذ إنَّ تحقيق هذه الرؤية يتطلب إرادة سياسية، واستثمارات مستدامة، وتعاونًا وثيقًا بين الجهات المعنية؛ فكل طريق آمن ومساحة واسعة للتنقل النشط هو خطوة نحو مدن تنبض بالحياة، وبيئة أنظف، ومستقبل أكثر إشراقًا للقارة الإفريقية كلها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى