الاستدامة والقانون

هل ستنجح أوروبا في إرساء معايير بيئية جديدة للملاحة البحرية؟

هل ستنجح أوروبا في إرساء معايير بيئية جديدة للملاحة البحرية؟

في الوقت الذي تتصاعد فيه المخاوف البيئية على مستوى العالم، حذر تقرير مشترك من وكالة البيئة الأوروبية (EEA) والوكالة الأوروبية لسلامة الملاحة البحرية (EMSA) في بداية الشهر الجاري، من أن قطاع الملاحة البحرية لا يزال يواجه تحديات كبيرة في تحقيق أهداف الاستدامة المناخية. ورغم التقدم الذي أحرزه القطاع في هذا الاتجاه، فإنه لا يزال بحاجة إلى مضاعفة الجهود خلال السنوات المقبلة لتطوير أنشطته بما يتوافق مع الأهداف البيئية التي يحددها الاتحاد الأوروبي.

ويعد النقل البحري من القطاعات الأقل كثافة في انبعاثات الكربون مقارنة بوسائل النقل الأخرى، غير أن الانبعاثات الناتجة عنه تظل عائقًا رئيسيًا أمام تحقيق الاستدامة البيئية، حيث تشير التقديرات إلى أن قطاع الشحن البحري – بما في ذلك نقل البضائع والركاب والصيد التجاري – يمثل ما بين 3% إلى 4% من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الاتحاد الأوروبي، وهي نسبة يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تقليصها في إطار التزاماته المناخية.

وفي هذا السياق يدعو الخبراء في مجالي البيئة والملاحة إلى اتخاذ إجراءات أكثر جرأة، تتجاوز مجرد تقليل الانبعاثات لتشمل معالجة قضايا تلوث المياه الناتج عن تسربات النفط والصرف الصحي، كما ينبغي التحول نحو استخدام أنواع وقود أنظف، حيث تشير “فابيين مكلينان”، المديرة التنفيذية لمنظمة (OceanCare) إلى أن تحديث الأساطيل البحرية يتطلب استثمارات ضخمة ووقتًا طويلًا، ومع ذلك فهناك خطوات يمكن اتخاذها فورًا مثل خفض سرعة السفن، وهي خطوة فعالة لتقليل استهلاك الوقود والانبعاثات وحماية الحياة البحرية من التلوث الضوضائي.

تتوافق هذه الدعوات مع جهود الاتحاد الأوروبي الساعية إلى فرض لوائح أكثر صرامة في قطاع الملاحة البحرية، غير أن تطبيق هذه السياسات يتطلب تعاونًا أكبر بين الشركات البحرية والموانئ والمنظمات البيئية والحكومات الوطنية لضمان النجاح الفعلي لهذه الاستراتيجية.

ورغم الجهود المبذولة فلن تكون النتائج ملموسة بشكل فوري، حيث إن التغيرات الجذرية في البنية التحتية للسفن وتطوير أنواع وقود مستدامة تتطلب سنوات من البحث والاستثمار، ومع ذلك فإن الحلول السريعة مثل خفض السرعة، يمكن أن تحدث فرقًا فوريًّا وتُحسِّن الوضع البيئي، مما يجعل الطريق نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة أكثر وضوحًا وقربًا من الواقع.

تدخل هذه الجهود في إطار أهداف التنمية المستدامة التي حددتها الأمم المتحدة، خاصة الهدف (13) المتعلق بالعمل المناخي والهدف (14) المعني بالحفاظ على الحياة تحت الماء، حيث تسهم جهود الحد من انبعاثات السفن والتلوث البحري في الحفاظ على المحيطات وتعزيز التنوع البيولوجي، كما تساعد على الحد من آثار التغير المناخي.

وعلى الرغم من التحديات المستمرة تشير التقارير إلى أن خطوات جدية تُتخذ لضمان استدامة القطاع البحري، وهو ما يمثل بداية جديدة نحو تحسين الأوضاع البيئية في هذا المجال. ومع ذلك يبقى السؤال: هل سنشهد مستقبلًا يكون فيه النقل البحري محايدًا للكربون؟ أم أن المصالح الاقتصادية ستظل عائقًا أمام هذا التحول الأخضر؟

لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وحماية بيئتنا البحرية، لا بد من إعادة التفكير في استراتيجيات الملاحة البحرية؛ فهذه المياه التي كانت دائما مصدر حياة وموردًا حيويًّا للبشرية، يجب ألا تتحول إلى ضحية أخرى من ضحايا التغير المناخي. وفي هذا السياق تؤكد حماة الأرض أن الجهود المبذولة لتعديل هذه الاستراتيجيات نحو الأفضل تتماشى مع تطلعات الأجيال القادمة وأن الانطلاق نحو التغيير بات الآن أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى