أخبار الاستدامة

ارتفاع الحرارة يهدد بتدمير الشعاب المرجانية

تبييض الشعاب المرجانية نتيجة ارتفاع حرارة البحار

ارتفاع الحرارة يهدد بتدمير الشعاب المرجانية

تتزايد آثار التغير المناخي عامًا بعد عام، وتتجاوز تأثيراته اليابسة لتصل إلى أعماق البحار. في هذا السياق، تظهر تقارير بيئية دولية تكشف عن مؤشرات مقلقة بشأن صحة الأنظمة البحرية، وعلى رأسها الشعاب المرجانية، التي تعد من أكثر النظم حساسية للتغيرات المناخية.

وبحسب تقرير صادر عن المبادرة الدولية لحماية الشعاب المرجانية (ICRI)، تعرضت هذه النظم الحيوية لموجات تبييض جماعي غير مسبوقة، أثرت على نحو 84٪ من الشعاب المرجانية حول العالم. هذه الظاهرة تنذر بكارثة بيئية تهدد التنوع البيولوجي البحري، وتنعكس آثارها على المجتمعات الساحلية والاقتصادات المحلية واستقرار المناخ العالمي.

لذا، تستعرض حماة الأرض في هذا المقال أبرز ما ورد في التقرير، وتناقش كيف ترتبط هذه الأزمة بأهداف التنمية المستدامة، والتحديات التي تفرضها على مستقبل البيئة البحرية وكوكب الأرض بشكل عام؛ فتابعوا القراءة.

أبعاد المشكلة

كشف تقرير حديث صادر عن المبادرة الدولية لحماية الشعاب المرجانية عن أرقام مقلقة توضح حجم الأزمة التي تواجه الأنظمة البيئية البحرية؛ فمنذ يناير 2023 وحتى نهاية مارس 2025، تعرض نحو 84٪ من الشعاب المرجانية في العالم لظاهرة التبييض الناتجة عن الإجهاد الحراري المرتبط بتغير المناخ. هذه النسبة المرتفعة تشير إلى أزمة تهدد التنوع البيولوجي البحري، وسُبل عيش ملايين البشر الذين يعتمدون على هذه النظم في الغذاء والعمل والحماية الساحلية.

ويوضح التقرير أن هذه الظاهرة ليست جديدة أو مفاجئة، وإنما جاءت نتيجة تراكمات بيئية مستمرة منذ عقود، أسهم فيها الاستخدام المفرط للطاقة الأحفورية والضغط البشري على الموارد الطبيعية؛ فمنذ خمسينيات القرن الماضي، بدأت الشعاب المرجانية تفقد قدرتها على التكيف تدريجيًّا، مما أدى إلى تراجع مساحتها الحية إلى أقل من النصف على مستوى العالم.

وتكمن خطورة التبييض في آثاره البيولوجية العميقة، التي تتجاوز مجرد فقدان الشعاب لألوانها الزاهية؛ فعندما ترتفع درجات حرارة المياه أو تزداد الملوثات، تطرد الشعاب المرجانية الكائنات الدقيقة التي توفر للشعابِ الغذاءَ من خلال عملية شبيهة بالتمثيل الضوئي، وعندما تفقد الشعاب هذه الكائنات فإنها تضعف؛ لأنها لا تستطيع أنْ تتغذى جيدًا، وقد تموت إذا استمرت الظروف الصعبة وقتًا طويلًا.

الحرارة تهدد الشعاب المرجانية

ومن بين أبرز أسباب هذه الكارثة الارتفاع غير المسبوق في حرارة المحيطات؛ فقد حذرت الدكتورة/ إيونهي كيم -مديرة المعهد الكوري لأبحاث المناخ والمحيطات- من أن بعض المناطق البحرية شهدت ارتفاعًا في درجات الحرارة بلغ 5 درجات مئوية منذ بداية عام 2023. وفي نظم بيئية حساسة كالشعاب المرجانية، يمثل هذا الارتفاع ما يشبه “تسونامي حراري”، يهدد بإعادة تشكيل توازن الحياة البحرية.

ووفقًا للتقرير يُعتبر هذا التبييض الجماعي هو الرابع من نوعه عالميًّا، غير أنه الأشد حتى الآن، وهذا ما دفع مراكز التنبؤ المناخي إلى إعادة تقييم مقاييسها وإضافة مستويات جديدة لرصد حجم الأزمة.

غير أن التهديد لا يأتي من الحرارة وحدها؛ إذ تتداخل هذه الظاهرة مع ممارسات بشرية أخرى، مثل تلوث المياه والصيد الجائر؛ مما يضع الشعاب المرجانية في مواجهة مع سلسلة معقدة من الأخطار المتزامنة، وهذه معركة غير متكافئة ما لم تُتخذ إجراءات فورية وجذرية لحماية هذه النظم البحرية الحيوية.

دور الشعاب في حياة البشر

تشير تقديرات المبادرة الدولية للشعاب المرجانية إلى أن نحو ثلث الكائنات البحرية المعروفة تعتمد في بقائها على هذه الشعاب، إلى جانب أكثر من مليار إنسان حول العالم يستمدون منها سبل العيش والغذاء والحماية الساحلية؛ فالشعاب المرجانية ليست مجرد زينة طبيعية في أعماق البحار أو ملاذًا لأنواع نادرة من الأسماك، وإنما تُعد واحدة من أهم ركائز التوازن البيئي على كوكب الأرض.

ولا يقتصر دور الشعاب المرجانية على توفير الأمن الغذائي لسكان السواحل، وإنما تسهم كذلك في تنظيم تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، حيث تعمل باعتبارها خزانات طبيعية تمتص كميات كبيرة من الكربون؛ ومِن ثَمَّ فإنَّ تدهور هذه النظم البيئية يعني اختلالًا في التوازن المناخي، قد يؤدي إلى تسارع وتيرة الاحترار العالمي، ويفاقم من أزمات التغير المناخي.

ورغم خطورة المشهد، فلا تزال هناك فرصة لتدارك الوضع؛ إذ يؤكد الخبراء أن الالتزام الجاد بخفض الانبعاثات الكربونية الناتجة عن الوقود الأحفوري يمكن -وفقًا لاتفاقية باريس للمناخ- أنْ يسهم في الحد من الاحترار العالمي؛ فحتى وإن تم تجاوز الحد المستهدف البالغ 1.5 درجة مئوية في العام الماضي، فإن التخلي الفوري عن الوقود الأحفوري كفيل بإبطاء وتيرة التغير المناخي، ومنح الشعاب المرجانية فرصة للبقاء.

وتتطلب هذه المرحلة خطوات أكثر جرأة، تبدأ بإعادة هيكلة خطط الحماية البحرية، ووقف أنشطة الصيد الجائر، وتوسيع نطاق المحميات، وتفعيل سياسات دولية لإعادة تأهيل الشعاب المرجانية المتدهورة. وهنا تبرز مسئولية الدول التي تمتلك مساحات شاسعة من الشعاب المرجانية، مثل فرنسا التي تحتضن أكثر من 60,000 كيلومتر مربع منها حول العالم.

وانطلاقًا من هذا الفهم، تابعتْ حماة الأرض الجهود الرامية لحماية الشعاب المرجانية، وسلطت الضوء على تجارب علمية مبتكرة سعت إلى مواجهة آثار التبييض الحراري؛ ففي مقال سابق بعنوان تبريد الشعاب المرجانية: استراتيجية جديدة لحماية البيئة البحرية، استعرضتْ تجربةً نُفذت عام 2008 في جزر ساموا الأمريكية، حيث تم استخدام مضخات عائمة لتبريد المياه المحيطة بالشعاب، وأسهم ذلك في تقليل تأثير التبييض في بعض المناطق.

ورغم أن هذه التجارب لم تكن كافية لإيقاف زحف الأزمة، فإنها كانت محطات مهمة رصدتها حماة الأرض باعتبارها جزءًا من التوثيق المستمر لمسارات البحث والابتكار في مواجهة التغير المناخي، وقد توقعت هذه الكارثة منذ عام مضى، عندما حذرت في المقال نفسه من تكرار ظواهر التبييض الواسعة النطاق، التي شهدها العالم بين عامَي 1998 و2010، نتيجة لتسارع وتيرة التغير المناخي.

وأشارتْ حماة الأرض آنذاك إلى أنَّ استمرار ارتفاع درجات الحرارة بهذا الشكل ينذر بمستقبل مظلم، قد تفقد خلاله معظم الشعاب المرجانية حياتها بحلول عام 2050، وهو ما تؤكده اليوم المؤشرات الصادمة للتقرير الجديد.

وأمام هذا الخطر المتصاعد، تجدد حماة الأرض دعوتها إلى الأطراف كافة، مؤكدة ضرورة اتخاذ إجراءات جادة لحماية هذه النظم البيئية المهددة؛ إذ إنَّ تلك الإنذارات المتوالية تشير إلى أهمية التحرك العاجل؛ فمستقبل الشعاب ومصير ملايين الأرواح التي تعتمد عليها، مرهون بأيدينا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى