صناعات مستدامة

قراءة لأهم مؤشرات الطاقة النظيفة لعام 2024

قراءة لأهم مؤشرات الطاقة النظيفة لعام 2024

تتزايد موجات الحر عامًا بعد عام، وتشتد معها الضغوط على أنظمة الطاقة، خاصة في فصول الصيف التي باتت أشد قسوة. وهذا التصاعد المستمر في الطلب جعل الكهرباء ضرورة يومية قد لا تقل أهمية عن الهواء. وقد اعتمد العالم لعقود على الفحم والغاز لتوليدها، رغم ما يرافق ذلك من أعباء بيئية جسيمة.

غير أنه مع تنامي الوعي بالتغيرات المناخية، وتصاعد التحديات البيئية والاقتصادية المرتبطة بالطاقة التقليدية، بدأت ملامح التحول في مشهد الطاقة العالمي تظهر تدريجيًّا، وجاء عام 2024 ليكون نقطة تحول غير مسبوقة في مسار الاعتماد على مصادر نظيفة، أكثر استدامة وكفاءة، باعتبارها مصدرًا رئيسيًّا للكهرباء.

وفي هذا السياق، تصحبكم حماة الأرض في قراءة تحليلية ترصد ملامح هذا التحول اللافت، وتستعرض أبعاده المتعددة على المستويين البيئي والاقتصادي؛ فالتحول يثير تساؤلات عميقة عن العوامل التي ساعدت على تحقيقه، والسرعة التي تم بها، والتحديات التي لا تزال تواجه اكتماله، رغم ما حققته الطاقة المتجددة من تقدم لافت؛ فتابعوا القراءة لمعرفة التفاصيل.

التحول نحو الطاقة المتجددة

شهد عام 2024 تحولًا غير مسبوق في قطاع الطاقة؛ إذ وفرت المصادر النظيفة أكثر من 40% من إجمالي الكهرَباء المستهلكة حول العالم، وهي المرَّة الأولى التي يتحقق فيها هذا الإنجاز منذ أربعينيات القرن الماضي، ولم يكن هذا التحول محض صدفة، وإنما نتيجة لجهود مكثفة واستثمارات ضخمة في تقنيات الطاقة الشمسية والرياح والطاقة الكهرومائية، إضافة إلى الطاقة النووية والكتلة الحيوية.

وقد سجلت الطاقة الشمسية -وفقًا لتقرير مؤسسة “Ember” العالمية المتخصصة في مجال الطاقة النّظيفة- أسرع معدل نمو بين جميع المصادر للعام العشرين على التوالي، كما أنها أصبحت المحرك الرئيسي لعملية التحول نحو الطاقة المتجددة، خاصةً بعد أن تضاعفت قدراتها الإنتاجية خلال السنوات الثلاث الماضية فقط؛ مما يعكس مدى الاهتمام العالمي المتزايد بهذه الطاقة النّظيفة والفعالة.

ما يلفت الانتباه هو التغير السريع في مكانة الطاقة الشمسية عالميًّا؛ فبعد أنْ كانت خيارًا مكلفًا قبل نحو عشر سنوات، أصبحت اليوم من الركائز الأساسية لمنظومة الطاقة، ووُصفت بأنها “قوة لا يمكن إيقافها”، وفقا لما قاله: فيل ماكدونالد، المدير التنفيذي لمؤسسة “إمبر”. وعند دمجها بأنظمة تخزين تعتمد على البطاريات تصبح قادرة على توفير الكهرَباء بشكل مستمر، حتى في غياب أشعة الشمس؛ مما يمنحها أفضلية واضحة مقارنة بمصادر الطاقة التقليدية.

يُظهر تقرير مؤسسة “إمبر” -أيضًا- أنَّ الطاقة الشمسية شكّلت نحو 7% من إجمالي الكهرَباء المنتجة عالميًّا في عام 2024، في حين أسهمت طاقة الرياح بحوالي 8%. وعلى الرغم من أن هذه النسب لا تزال قليلة مقارنة بحجم الطلب العالمي، فإنها تشكّل قاعدة قوية للنمو المستقبلي، خاصة في ظل التوسع المستمر لمصادر الطاقة المتجددة بما يكفي لمواكبة الزيادة في الاستهلاك، وهو ما يشير إلى بدء تراجع تدريجي في الاعتماد على الوقود الأحفوري.

وإلى جانب الطّاقة الشمسية وطاقة الرياح، تواصل مصادر أخرى من الطّاقة المتجددة والبديلة أداء دور محوري في دعم التحول العالمي نحو الطّاقة النّظيفة، وتأتي الطّاقة الكهرومائية في مقدمتها، باعتبارها من أقدم وأثبت أشكال الطّاقة المتجددة؛ إذ لا تزال تسهم بنسبة تقارب 14% من إنتاج الكهرَباء عالميًّا، وهي نسبة مستقرة منذ سنوات؛ مما يعكس مكانتها الراسخة، خاصة في الدول التي تمتلك وفرة في الموارد المائية.

التحديات المناخية

ومع ذلك فإن هذا التحول لا يخلو من التحديات، خاصة في ظل تسارع التغيرات المناخية؛ فقد شهد عام 2023 موجات حر غير مسبوقة أثّرت على توقعات انخفاض الانبعاثات من قطاع الكهرَباء؛ إذ أدّت درجات الحرارة المرتفعة إلى زيادة الاعتماد على أجهزة التبريد، فارتفع استهلاك الكهرَباء بنسبة 1.4%، وهو ما أسهم في زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 1.6%، رغم التوقعات السابقة بانخفاضها.

أما في عام 2024 فقد برزت ملامح جديدة لأنماط استهلاك الكهرَباء، مع تحوّل التركيز إلى قطاعات التكنولوجيا المتقدمة مثل مراكز البيانات، والذكاء الاصطناعي، والسيارات الكهربائية، ومضخات التدفئة. ووفقًا لتقرير “إمبر” فقد أسهمت هذه الاستخدامات الحديثة في رفع الطلب العالمي على الكهرَباء بنسبة 0.7%، وهو ما يعادل ضعف الزيادة التي كانت تسجّل قبل خمس سنوات فقط.

ويعكس هذا التغير المتسارع العلاقة الوثيقة بين التقدّم التكنولوجي والاستدامة البيئية؛ إذ يعزز الاعتماد على هذه التقنيات المتطورة الحاجة إلى مصادر طاقة نظيفة وموثوقة؛ فليس من الممكن فصل الابتكار الرقمي عن مسارات التحول نحو الطّاقة المتجددة، خاصة أن الكهرَباء النظيفة باتت شرطًا أساسيًّا لتغذية البنية التحتية التكنولوجية دون زيادة في الانبعاثات.

واللافت أن هذا التحوّل لا يقتصر على الدول المتقدمة وحدها، وإنما بدأ يمتد إلى الدول النامية التي ترى في الطّاقة المتجددة فرصة لتحقيق قفزة نوعية نحو مستقبل نظيف. ومع انخفاض تكاليف إنشاء محطات الطّاقة الشمسية وتطوّر تقنيات التخزين، أصبح بإمكان هذه الدول تجاوز مراحل التلوث التي مرت بها الاقتصادات الصناعية، والانتقال مباشرة إلى منظومة كهرباء نظيفة ومستدامة.

التنمية المستدامة والطاقة النظيفة

يتوافق هذا التحول العالمي في مشهد الطّاقة تمامًا مع الهدف (7) من أهداف التنمية المستدامة “طاقة نظيفة وبأسعار معقولة”، الذي يدعو إلى ضمان حصول الجميع على خدمات طاقة ومستدامة وبأسعار ميسورة؛ وكلما زاد الاستثمار في الطّاقة النّظيفة، اقتربنا أكثر من تحقيق هذا الهدف الطموح، الذي يشكل حجر الأساس للتنمية المستدامة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري يسهم بشكل مباشر في الهدف (13) من أهداف التنمية المستدامة، “العمل المناخي”؛ فكل خطوة يتم اتخاذها نحو مصادر طاقة نظيفة هي بمثابة درع واقٍ للأرض من آثار الاحترار العالمي وارتفاع منسوب البحار وفقدان التنوع البيولوجي.

وفي هذا السياق، تؤكد حماة الأرض أن عام 2024 شكّل انطلاقة حقيقية نحو هذا المستقبل، بعد أن أثمرت الجهود الدولية عن تقدم ملموس. ومع استمرار هذا الزخم، تبرز فرصة حقيقية لتسريع التحول، مع مواصلة التعاون والاستثمار في حلول مبتكرة تُلبي احتياجات اليوم وتؤسس لغدٍ أكثر استدامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى