علوم مستدامة

ليسَ فقطْ عملُ الأطفال.. زيادةُ المَوجاتِ الحارَّةِ تُهدِّدُ أطفالَ العالَم

تَمهيدًا للمُناقشاتِ الختاميَّةِ لقانونِ العملِ الجديد، وأثناءَ بَحثي عنْ كارثةِ عمالةِ الأطْفَالِ وما تُشكلُّهُ منْ تهديدٍ حقيقي، استَوْقَفني في الحقيقةِ تقريرٌ جديدٌ صادرٌ عنِ اليونيسف، يَستعرضُ هذَا التقريرُ ما تشكلُّهُ زيادةُ المَوجاتِ الحارَّةِ منْ تهديدٍ لأطفالِ العالم، حيثُ ذكرَ التقرير: إنَّ “559 مليون” طفلٍ حولَ العالمِ يَتعرَّضونَ حاليًا لمَوجاتِ حرارةٍ عالية، كمَا أنَّ هذَا العددَ قدْ يَرتفعُ إلى “2.02 مليار” طفلٍ على مُستوى العالَمِ بحلولِ عام 2050.

ويُؤكِّدُ التقريرُ الذي تَمَّ إنتاجُه بالتعاوُنِ معَ مركزِ “بياناتِ الأطْفَالِ التعاوُني”، على الحَاجةِ المُلحَّةِ لمُعالجةِ آثارِ الاحترارِ العالميِّ على الأجيالِ القادِمة، ويأتي هذَا التقريرُ ليُؤكِّدَ على أهميَّةِ المُتابعةِ المُستمرَّة؛ لتَحديدِ المَخاطرِ التي يَتعرَّضُ لهَا الأطفالُ نتيجةً لتغيُّرِ المناخ، وهو مَا تُعبِّرُ عنْه اليونيسف “بمُؤشرِ مخاطرِ المناخِ على الأطفال” والذي تمَّ إطلاقُه في العام 2021.

وقالَ “كريج هوتون” أستاذُ علومِ الاستدامةِ في الجغرافيا وعلومِ البيئةِ والمشاركُ في التقرير: “خلالَ عَمَلِنا السَّابق، تَمَّ تحديدُ مَوجاتِ الحَرارةِ باعتبارِها مشكلةً خاصَّةً لِلأطْفَال. ثُمَّ قرَّرَ الفريقُ بعدَ ذلكَ تطويرَ العملِ على هذَا الأمر، وتَمَّ الاتفاقُ معَ اليونيسف أنْ يَكونَ مؤشرُ مَخاطرِ المناخِ على الأطْفَالِ مِنَ الأولويَّاتِ في اتخاذِ القرارات”.

درجاتُ الحرارةِ قاتلةٌ لِلأطفال

يُقدرُ التقريرُ أنَّهُ بحلولِ عام 2050، مِنَ المُتوقعِ أن يتعرَّضَ “2.02 مليار” طفلٍ في العالمِ لموجاتِ حرٍّ عاليَة، سواءً تمكَّنَ العالَمُ منْ تحقيقِ سيناريو انبعاثاتٍ منخفضةٍ لغازاتِ الاحتباسِ الحراريِّ معَ ارتفاعٍ يُقدَّرُ بنحو 1.7 درجة، أوْ سيناريو الانبعاثِ المرتفعِ للغايةِ لغازاتِ الاحتباسِ الحراري، معَ احترارٍ يُقدرُ بـ 2.4 درجة.

وقالَتْ “كاثرين راسل” المديرةُ التنفيذيَّةُ لليونيسف: “إنَّ درجاتِ الحرارةِ مُستمرةٌ في الارتفاعِ وكذلكَ التأثيراتُ على الأطفال، حيثُ يَعيشُ طفلٌ منْ بينِ كلِّ ثلاثةِ أطفالٍ بالفعلِ في بُلدانٍ تُواجِهُ درجاتِ حرارةٍ عاليةٍ للغَاية، ويَتعرَّضُ طفلٌ واحدٌ منْ بينِ كلِّ أربعةِ أطفالٍ لتَكرارِ مَوجاتِ الحرِّ العاليَة، وعلى ما يَبدُو ستَزدادُ الأمورُ سوءًا”.

وجدَ التقريرُ أنَّ الموجاتِ الحارَّةَ المرتفعةَ على وجهِ التحديدِ تُؤثرُ حاليًا بشكلٍ خاصٍّ على “538 مليون” بمَا يُمثلُ (23٪) مِنَ الأطفالِ على مُستوى العالم، وبحلولِ عام 2050 سيَرتفعُ الرقْمُ إلى “1.6 مليار” طفلٍ عندَ سيناريو 1.7 درجة احترار، أو “1.9 مليار” طفلٍ عندَ سيناريو 2.4 درجة احترار.

قال “البروفيسور هوتون”: “إنَّ مَوجاتِ الحرِّ تُعتبرُ مصدرَ قلقٍ كبيرٍ فيمَا يَخصُّ الأطفال، فهُمْ عُرضةٌ للجفافِ والإرهاقِ الحراري، ويَعتمدونَ بشكلٍ كليٍّ على الآخرينَ في الحِماية، والتي غالبًا ما تَفشلُ في حالةِ عمالةِ الأطفالِ وضغوطِ الهجرةِ على سبيلِ المِثال، وعلى الرغمِ منْ ذلك، فنادرًا ما نرَى سياسةً أو تخطيطًا يَتعاملُ بشكلٍ خاصٍّ معَ القضايا المُتعلقةِ بالأطفالِ أو تَعترفُ بنقصِ الحمايةِ التي يتمتَّعُ بِها الأطفالُ تُجاهَ التغيُّراتِ المناخيَّة”.

تأثيرٌ يُطارِدُ الأطْفَالَ منْ كلِّ القارَّات

سيُواجِهُ الأطْفَالُ في المناطقِ الشماليةِ وخاصَّةً أوروبا الزِّيَاداتِ الأكثرَ دراماتيكيَّةً في موجاتِ الحرِّ الشديدَة، وسيُواجِهُ مَا يقرُبُ منْ نصفِ الأطْفَالِ في إفريقيا وآسيا تعرُّضًا مُستدامًا لدرجاتِ حرارةٍ عاليةٍ للغايةِ بحلولِ عام 2050.

تقعُ 23 دولةً حاليًا في أعلى فئةٍ لتعرُّضِ الأطفالِ لدرجاتِ حرارةٍ عاليةٍ جدًّا. ويُقدرُ التقريرُ أنَّ هذَا الرقْمَ سيَرتفعُ إلى 33 دولةً بحلولِ عام 2050 في ظِلِّ سيناريو الانبعاثاتِ المُنخفضةِ و36 دولةً في ظِلِّ سيناريو الانبعاثاتِ المرتفعةِ للغاية. مِنَ المُرجَّحِ أن تظلَّ دُولٌ مثلَ الهندِ وباكستان والمملكةِ العربيةِ السعوديةِ في أعلى فئةٍ في كِلا السيناريوهين.

وفي تقديري: “كانَ إطلاقُ مُؤشرِ مخاطرِ المناخِ على الأطفالِ في العامِ 2021 خُطوةً كبيرَة، حيثُ يجبُ أن نأخذَ في الحُسبان جودةَ حياةِ الأطفالِ في ضَوءِ تأثيراتِ المناخ، ولا سِيَّما موجاتُ الحرارة، وذلكَ عندَ النظرِ في كيفيةِ التكيُّفِ معَ التغيراتِ المناخيَّة”.

التَّأثيرُ على صحةِ الأطْفَال

تَلحقُ موجاتُ الحرِّ أضرارًا خاصَّةً بالأطْفَال؛ لأنَّهم أقلُّ قُدرةٍ على تنظيمِ درجةِ حرارةِ أجسامِهم مُقارنةً بالبالغِين، حيثُ يكونُ الأطفالُ الرُّضَّعُ والأطفالُ الصِّغارُ أكثرَ عَرضةً للوفاةِ المُرتبطةِ بالحرارة.

يُمكنُ أنْ يؤديَ التعرُّضُ الإضافيُّ لموجاتِ الحرارةِ إلى إصابةِ الأطْفَالِ بمشاكلَ صحيةٍ مثلَ أمراضِ الجهازِ التنفسيِّ المزمنةِ والربوِ وأمراضِ القلبِ والأوعيةِ الدمويَّة. يمكنُ أنْ تؤثرَ موجاتُ الحرِّ أيضًا على بيئاتِ الأطَفْالِ وسلامتِهم وتغذيتِهم وإمكانيَّةِ حُصولِهم على المياهِ وتعليمِهم وسُبلِ عيشِهم في المستقبل.

وقالتْ كاثرين: “سيَتأثَّرُ المزيدُ مِنَ الأطْفَالِ بموجاتِ حرارةٍ أطولَ وأكثرَ سُخونةً وتَكرارًا على مدَى الثلاثينَ عامًا القادِمة؛ ممَّا يُهدِّدُ بشكلٍ خطيرٍ صِحَّتَهم، وسَيَعتمدُ الحدُّ منْ مدَى الدمارِ الذي سَينتجُ عن هذِه التغيراتِ على فعاليةِ الإجراءاتِ التي نَتخذُها الآن”.

فبَيْنَمَا تُكافحُ جميعُ دُولِ العالَمِ عملَ الأطْفَالِ سواءً بالأدواتِ التشريعيَّةِ أوِ الرقابيَّةِ لمنعِ تعريضِ حياتِهم للخطر، إلَّا إنَّ هُناكَ خطرًا آخرَ لاحَتْ بوادرُهُ بِالأُفق، هذَا الخطرُ يَستوجِبُ مِنَ الجميعِ التَّبَنِّي الحقيقيَّ لأجندةِ الحَدِّ وبشكلٍ عاجلٍ منْ ظاهرةِ الاحتباسِ الحراريِّ عندَ 1.5 درجة مئوية، فهذِه هي الطريقةُ الوحيدةُ لإنقاذِ حياةِ الأطَفْالِ ومستقبلِهم، ومُستقبلِ الأرض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى